آخر المقالات
الرئيسية » مبراة » حب من طرف واحد!

حب من طرف واحد!

أفكر في كثير من الأحيان بالسبب الذي يجعلني أتألم لما يجري في سورية، رغم أني نجوت بنفسي وصرت في مكان آمن، ولا أجد سبباً مُقنعاً لذلك الألم المزمن سوى حبي لتلك البلاد، ولو أن الظروف المادية تسمح لذهبت إلى طبيب نفسي وخضعت لجلسات علاج منتطمة للشفاء من هذا الحب القاتل الذي تقودني نوباته المفاجئة إلى الجنون خاصة كلما رأيت أحدهم يشتم تلك البلاد التي ننتمي إليها رغماً عن روح آبائنا وأجدادنا.

نعم هذا الحب قاتل فهو يحاصرني من كل الجهات يجعلني أسيراً للماضي وغير قادر على التقدم والإقبال إلى الحياة بقناعة تامة، لم أؤمن بعد أن الحياة هنا ستكون حياتي الأبدية وأن هذي البلد قد غدت بلدي وما زلت متمسكاً بكل التفاصيل التي خلفتها ورائي مُرغماً، يعتقد البعض ممن يرون ابتساماتنا وصورنا أننا سعداء هنا، والحقيقة غير ذلك تماماً، صحيح أن بعضنا لا يهمهم المكان وهم ليسوا ممن يتعلقون بالأمكنة ولا تعني لهم شيئاً، وقد يكون هؤلاء أكثر طمأنينة وراحة فوطنهم هو مكان رزقهم وراحتهم وأمانهم وليس البلد الذي وُلدوا فيه وحملوا جنسيته، إلا أنني لست من هؤلاء.

وكأغلبية السوريين لم أكن أملك في سورية سوى منزل ريفي وقبر أبي، وشجرة زيتون صغيرة زرعتها قبل خروجي من بيتي قبل نحو أربع سنوات، ولم أكن أملك رصيداً في البنك ولا مشروعاً يدر ذهباً ولا مصالح ولا أراض زراعية ولا عقارات، ورغم ذلك لست أملك القدرة حتى الآن على الشفاء من ذاك الحب الذي لا أنتظر عليه شهادات حسن سيرة وسلوك من أحد، ولست أنتظر عليه صك وطنية من أحد المسؤولين الحزبيين الذين نهبوا البلد وسرقوها وما تركوا فرصة للاستفادة من خيراتها إلا واستغلوها حتى الرمق الأخير.
ومع ذلك ما زال صوتي يعلو هنا لا شعورياً وأنا أدافع عن سورية وعروبتها وصوابية قراراتها وأجهد في إقناع الآخرين ألا يصدقوا كل ما يشاهدونه على شاشات التلفزة، لقد سبب لي ذلك الكثير من المشكلات طبعاً هذه المشكلات دائماً كانت مع سوريين وعرب فأغلبية الأوربيين الذين نلتقيهم هنا ونتعرف إليهم يدركون حقيقة ما يجري في سورية منذ البداية.

أتألم لأنني انتمي إلى بلد حاز منذ أيام على مرتبة عالمية متأخرة جداً في محاسبة الفاسدين الذين صار شغلهم الشاغل منذ أن أعلنوا عن قيام ثورتهم قبل عقود ترسيخ الفساد وسرقة العباد، ولم تكن هذه المرتبة مفاجئة لأحد، لأن السوريين يعرفون ذلك جيداً وإن بعضهم استغرب كيف أننا لم نحصل على المرتبة الأولى وليس الرابعة؟

وأتالم لأنني من بلد قدم للعالم أسوأ معارضة عرفتها البشرية ضمت في صفوفها نصف خونة السلطة وكل لصوص المعارضة، لتُشكل المعنى الحقيقي للوحة الفسيفساء السورية الحقيقية التي يتغنى البعثييون بها ويفسرون معناها بطريقة أخرى غير صحيحة.
أتالم لأني أحب من طرف واحد، وهذا الحب أقسى أنواع الهيام وحسب ما أكد العلماء لا شفاء منه إلا بالموت.

رئيس التحرير

عن فراس الهكّار

فراس الهكّار
صحفي وكاتب سوري، بدأ العمل في الصحافة السورية في عام 2006، ونشر في العديد من الصحف والمجلات السورية، كتب ونشر في بعض الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية العربية، أسس مجلة قلم رصاص الثقافية في بلجيكا عام 2016، ويترأس تحريرها.

شاهد أيضاً

مصلوبٌ على باب الرقة

(1) في بلدتي يأتيكَ بالأخبار بائعُ الأحلامِ  والمناجلِ وسكَّاراتُ البليخ والحطّابات وتُشنقُ الطفولةُ دون أنْ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *