الرئيسية » رصاص خشن » توت شامي أزرق !

توت شامي أزرق !

درس اللغة

 يتحدث الإيطاليُّ في درس اللغة بلكنته المحببة عن فريق (انتر ميلان). بينما ترسل عيناه الضاحكتان إشاراتِ الحصاد إلى حقول حنطة الصبيّة التركيّة. يقول البرتغالي أنَّ معنى (كويلو) هو الأرنب. وينصحنا بقراءة روايته الشَّهيرة “الخيميائي”. يقفز الأرنب بين ساقيِّ البنت الصينيّة التي تحسن الرسم ويدخل إلى لوحاتها. فتضحك البرازيليَّة وترمي له حبوب الكافيين. تتناقش الإسبانيَّة مع الفرنسيِّ حول النبيذ الأفضل. يطلبُ المعلم البريطانيُّ إبقاء النافذة مفتوحةً. فهناك رائحةٌ غامضةٌ في حجرة الصفِّ ! كم تشبه رائحة الوطن المحترق التي يحملها السّوريُّ في ذاكرته. السّوري الذي يجلس على المقاعد الخلفية، وهو يواصل نسج الصوف المهترىء  وترقيعه بالألم.

“أميلي ديكنسون” بشكلٍ ما !

تتوالى الخسارات، توالي حبَّات المطر على السّطوح الترابية. ينهار صباح الزعرور البريِّ، وتهاجم القوارضُ، ابتكاراتِ مزاجٍ خضراء، ما تلبث أن تسحبها  إلى البحيرات الراكدة. حيث تصادق فلاّحاً يحفر الأخاديد بمهارة كي يزرع الصبَّار المرَّ. ماذا يفعل الشّاعر أمام انكساراته المتعاقبة؟ هل يصلّي ويصوم بالحبر من جديد، بانتظار معجزةٍ تعيد إصلاح آلاته المعطوبة ! إنّه يضغط الجرح بالملح، ويعدّ بأصابعه المتساقطة: صديقٌ، صديقان، مدينةٌ، وطنٌ. وماذا بعد، حين تنفد الأصابع،  كيف يعدّ الخسارات الفادحة؟ وما بال الأصدقاء يهربون إلى أقاليم الخشب العاطفيِّ المتفحم، وما بال الصداقة تُصبح عبئاً، كلّما اقتربَ بمكبّرة الروح إلى تفاصيل الحرب! إنها الحرب اللعينة، أمُّ الأفاعي ذات الأجراس، التي تولول في كل رأس، فتنضجُ الأشباحَ والهياكلَ العظميّة، وتضخُّ السُّموم في الأبدان. لا أمل…! الوحدة هي الخيار الأمثل للشَّاعر، وهي أيضاً المباهاة بالفرادة أمام متاحف الطيور المحنَّطة، وهي أيضا شجاعة الحكمة النادرة.

عمر بن أبي ربيعة

قد يكون لديه فائض من هرمون السَّعادة (السيروتونين)  كعمر بن أبي ربيعة , وقد يكون مقدَّداً كسمكةٍ مملحةٍ في فترينة بائع الأسماك في الإسكندرية التي لا يحبُّها. ولكن العالم الغريب الذي يحتويه، يجعل من فراش الزوجة التي اشترت السَّمكة لعائلتها مبلَّلاً بالسيروتونين  الطازج، بينما تماماً في الجهة المقابلة من القارة الآسيوية يبتل فراش الطفل السُّوري من الرُّعب.

المزاد

سأبيع آلاف البيوت الشِّعرية التي صنعتها، وأشتري بثمنها أطنان ملح، أحفظ فيها الديدان التي تخرج من ثقوب هذا العالم. أرجو مناداتي بأبي الديدان! هذا ما يليق بي وبسلالة الشُّعراء الذين يرقدون على البيض الفاسد، ويتباهون ببلاغة مريضة كسيقان هرقل وهو في بحيرةِ حمضٍ يتعاطى حبوب منع الصدأ الكوني.

فيزياء ليست مسليَّةً

يقفز مثل إلكترون مُستحثٍ بعصا كهرباء الجنرال، ويقع في فخٍّ عميقٍ للزرافة. لا تنفعه سلالم المئذنة في الخروج، ولا زجاجات الشَّراب الفارغة، ولا الوسادات الفكرية المحشوّة بالشّعارات. يفكّر كطفلٍ بريءٍ بحاجته إلى صناديق (الكورن فليكس)  ليصعد فوقها. غير أنَّ الحليب المخلوط بالدماء، يجذبه نحو الأعماق . حيث الكوابيس الجديدة  التي تثقب سرّته بالصراخ. فيقفز من جديد بين أضلاع ذرّات الكربون، التي تخرج من جسده المتحلل. يقفز حتى يولد طاقةً كامنةً ترفعه إلى الأعلى، كائناً من العدم.

تشفطه لاقطات الحرب بسرعة، وتضعه في صهريج الوقود. يذوب ببطء في السَّائل المفترس، وهو يحلم بإعادة التدوير، ربما بعد ملايين السِّنين.

أركيولوجيا قيس بن الملوَّح

الحافر قرب الحافر، وعلى مسافة ذراعٍ، خمسة حوافر أخرى. أبتكر أركيولوجيا شعرية، وأهمس في أذنك وأنا أقودك إلى السّرير: لقد قصّت الملائكة شعرها فوق ثيابك، فانطبعت في جلدك حوافرُ الشُّعراء المقلِّدين. أُنهي صناعة قالبكِ من العقيق الأحمر، وأنصرف إلى تكسير قوالب الحوافر الطينيّة مستعيناً بمشرط تشريح الأعصاب في لغتي . أريدك جداً، وأفهمك جداً، وأكتب معادلة اشتقاقك من الوهم، ثم أندب نفاد الأقلام. يا أنتِ…! يا ممحاة العدم، أحبك جداً, وأكره المقلّدين الذين يقودونك إلى الغار في وادي عبقر، ويغتصبون حمامتك الكبيرة التي تبيض رسل الوحي، ويجهضونك بعدها في الصحف والكتب. ويضعونك على سريرٍ هم صنّاعه؛ أصدقاء (بروكست).

قانون الشِّعر

تُضاء مدينةٌ كاملةٌ بترويض وحوشالنهر، وإطلاقها في الآلات، التي تقوم بتحويل الطاقة المائية الجبارة إلى طاقة كهربائية. أما الشَّاعر الجالس على ضفة النهر, فيكتب قصيدته ببساطة باذلاً بضع مئات إضافية من الحريرات التي تتحول إلى طاقةٍ عظيمة هي طاقة الشِّعر. ولو أمكن تحويل طاقة الشِّعر إلى طاقة فيزيائية محسوسة لتصدعت جدران الكون ولتشقق الزمن ! الشَّاعر أعظم محوِّل للطاقة وهو الأشدُّ كفاءة , فلا ضياعات ولا فواقد. على العكس تماماً، فقيمة الطاقة الناتجة تفوق حدود الخيال.

السُّقوط الحرُّ

يسقط من فتحةٍ صغيرة في السَّماء إلى  الأرض سقوطاً شاقوليّاً حرَّا،ً كما يعرّفه معلّم الفيزياء وهو يشير بعصا الاستدلال نحوه، ونحو بيانو يسقط  قربه. يواصل المعلّم الشَّرح  بأنهما سيصطدمان بالأرض في نفس اللحظة شرط انعدام مقاومة الهواء. فيضيف  الطالب الذي سيصبح أمير جندٍ، شرطَ انعدام الحريَّة إلى ذلك أيضاً ! لم ير الطالب الكسول أسرابَ حمام دمشق، وهي ترفرف بأجنحتها القوية فتغيّر قوانين السُّقوط.

شاعر وكاتب سوري

عن د. حسان الجودي

د. حسان الجودي
شاعر وكاتب سوري، حاصل على إجازة في الهندسة المدنية من جامعة دمشق, ودكتوراه في الهندسة المدنية من جامعات بولونيا. عمل مدرساً في قسم الهندسة المائية، بكلية الهندسة المدنية - جامعة البعث. حاصل على جائزة سعاد الصباح للإبداع الشعري عام 1994 عن مجموعته مرايا الغدير.

شاهد أيضاً

متعبون من فرط النوم.. راقصٌ على إيقاع الغياب.. ضياع أنت يا صوت القصب

وحدكَ تدْقُّ الأرضَ عصاك مغشيّاً على وضحِ المدى   لا رفيقٌ يردِّدُ معك شعارَ الجلسةِ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *