آخر المقالات
الرئيسية » رصاص خشن » نورا …. التي هزت أوروبا

نورا …. التي هزت أوروبا

عساف سلمان  | 

هنريك إبسن، ولد في مدينة سكيين بالنرويج 1828 وتوفي 1906، لُقب بـ “أبو المسرح الحديث”. وكان قد أصبح في عام 1844 صيدلياً مساعداً في مدينة غريمستاد. وبدأت شهرته مع ثاني مسرحية له، وهي “عربة المحارب” (1850). وتتسم نظرته للحياة بالعمق والشـمول، كما يتميز مسرحه بدقة معمار حبكة النص المرتبط دوما بحالة اقتصادية، مع تعبير شاعري دقيق. ولديه 26 مسرحية. أشهر مسرحياته “الأشباح” و”أعمدة المجتمع” و”البناء العظيم”.

وأما مسرحيته “بيت الدمية” أحدثت صدى بكل أنحاء أوروبا وما زالت وتعتبر من أشهر ما كتبه هنريك ابسن في القرن التاسع عشر.

“كان لصفقة الباب تلك، دوي ارتجت له أركان العالم”. هذا ما قاله أحد النقاد، عن مسرحية “بيت الدمية”، التي أثارت، بعد قرار بطلتها نورا هيملت، مغادرة البيت بعيداً عن زوجها وأطفالها، وكل ما بنت عليه حياتها، ثورة اجتماعية في أوروبا، على قيم الزواج التي كانت سائدة لدى الطبقة البرجوازية، والتي كانت محكومة بالمظهر الاجتماعي والاستقرار المادي، وباعتماد المرأة الكامل على الزوج، فكراً وفعلاً، بصفتها عنصراً ضعيفاً.

كتب هنريك إبسن، النرويجي الذي يعتبر أفضل كاتب مسرحي بعد شكسبير، مسرحيته هذه عام 1879، في المرحلة الذهبية من سنوات إبداعه، حيث دفعه نجاحه في هذا العمل، إلى تقديم المزيد والمزيد من قناعاته وأفكاره في الدراما، باحثاً عما أسماه “دراما الأفكار”، التي كانت محور الجدل في أوروبا لزمن طويل.

تبدو أحداث المسرحية للوهلة الأولى، عادية جداً، فليس هناك من شيء خاص، سواء في شخصية الزوجة والأم الشابة نورا هيملت، التي تعيش حياة تقليدية ضمن الدور المرسوم لها، والذي تتعامل من خلاله مع الحياة. فهي المرأة اللطيفة الوديعة المحبة الضعيفة، التي بحاجة إلى حماية زوجها تورفالد، والذي تقع عليه مسؤولية التفكير وتأمين مورد المعيشة.

لم يتبادر إلى ذهن نورا أي من عواقب قرارها في تزوير السند النقدي الخاص بأبيها، كي تحصل مقابل ضمانه، على قرض يُخرج زوجها من محنته الصحية وأزمته المادية.

أزمة وقرار

نتيجة حياتها المبرمجة على مثل وأفكار نموذجية، تعيش أزمة حقيقية حين يخبرها كروغستاد الذي طرده زوجها من عمله في المصرف، أنه سيبتزه من خلال كشف سرها على الملأ، إن لم يعد له وظيفته.

وهكذا، تنهار نورا وتفكر في الانتحار مرات عديدة، إذ كان أهون عليها أن تضحي بنفسها كي تجنب زوجها الفضيحة. وقبل أن تتاح لها الفرصة لتنفيذ غايتها، بعد عودتها وزوجها من حفل ساهر، وتعبيره عن سعادته بوجودها في حياته وحبه النقي لها. وتجديده العهد بحمايته لها، يكتشف تورفالد، بعد قراءة رسالة كروغستاد ما قامت به، فيعتبرها خائنة، وبلا تمهيد، يتهمها بقلة الخلق وانعدام القيم، وبأنها مصدر الفضيحة التي ستدمر مكانته وحياته، ثم يأمرها بترك البيت كونها ليست بأم تؤتمن على تربية أبنائها.

فجعت نورا بردة فعله، وشلت الدهشة قوة إدراكها. وخلال حالة الذهول تلك، وصلت رسالة أخرى إلى الزوج، وما إن فتحها حتى انفرجت أساريره. إذ كانت تحتوي على صك الضمان الأصلي الذي حرره من عبء الفضية. وهنا تبدل موقفه وقال لها، إنه عفا عنها وسامحها.

لم تستطع نورا استيعاب هذا التناقض، وهي التي كانت تتوقع وقوفه إلى جانبها وتقديره لتضحيتها من أجله. وما كان منها إلا أن قالت له: “سأغادر البيت الآن”. وحين توسل إليها، أجابته: “أريد أن أعرف من أنا”.. وصفقت الباب خلفها، بعد خروجها.

أبعاد

منذ صدور هذه المسرحية، وحتى يومنا هذا، لا يزال النقاد يقدمون دراسات وتحليلات حول حبكتها ومضمونها وطبيعة شخصياتها، وكل اجتهاد جديد يقدم يركز على اكتشاف رصيد هذا العمل والتعمق في عوالمه الغنية.

وعلى الرغم من أن معظم النقاد اعتبروا الشخصية الرئيسية في العمل نورا، وبنوا حولها نظريات عن تعاطف إبسن مع المرأة ومناصرته لها، إلا أن توجه إبسن في عمله بعيد كل البعد عن ما افترضوه، إذ قال لدى تكريمه من قبل “نادي سيدات كريستيانا” الذي اعتبرته عضواته، صديقاً منحازاً للدفاع عن حقوق المرأة: “لم يكن كل ما كتبته بوعي قصدي. كنت كاتباً أكثر مني فيلسوفاً اجتماعياً كما يعتقد البعض. ما كتبته كان بدافع إنساني. كان هدفي وصف جانب إنساني يضيف إليه القارئ أو المشاهد، مشاعره ومزاجه الخاص، تبعاً لشخصيته”.

كان إبسن قد استلهم قصة مسرحيته هذه، من المحنة التي مرت بها صديقته لورا كيلر، التي لجأت إليه ليتوسط لها عند زوجها. وبدلاً من تدخله، كتب المسرحية بعد مضي عام. وإن اختلفت النهاية، ففي الواقع، طلق فيكتور زوجته لورا، ووضعها في مصحة للأمراض العقلية، وبعد مضي عامين، سألها العودة إليه وإلى أولادها. هذه المحنة دفعت لورا لتصبح كاتبة ذات مكانة مرموقة. إلا ان شهرتها كملهمة للمسرحية، فاقت تميزها في ساحات الكتابة والإبداع. إن هذه المسرحية تم عرضها في المسرح الملكي بكوبنهاغن قبل أن تعرض في النرويج البلد الاصلي للكاتب وهذا يعني ان المجتمع النرويجي لم يتقبل افكار ابسن وتأخر كثيرا عن ركب الدول الاخرى بالسماح لانتشار الثورة المسرخية التي احدثها ابسن وجرأته لمناقشة وطرح قضايا تعتبر من التابوهات والمحرمات آنذاك.

خاص مجلة قلم رصاص الثقافية

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

مصلوبٌ على باب الرقة

(1) في بلدتي يأتيكَ بالأخبار بائعُ الأحلامِ  والمناجلِ وسكَّاراتُ البليخ والحطّابات وتُشنقُ الطفولةُ دون أنْ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *