آخر المقالات
الرئيسية » ألوان خشبية » موتيفات أبو عفيفة الجسد في اتجاه، والأفكار في اتجاه آخر

موتيفات أبو عفيفة الجسد في اتجاه، والأفكار في اتجاه آخر

عاصف الخالدي  | 

الخلفية الزرقاء، التي تشترك مع السماء المفتوحة باللون، وتختلف معها في أنها ليست متسعة الأفق وقابلة للكثير من التأويل. للأزرق حدود في اللوحات، تجعله يشبه رحماً  يحوي ما لم يتشكل بعد، أو ما هو في طور التشكل، أو ذاك المفكك، والغير معروف إلى أين سيؤول، أو ما كان عليه في الأصل، ولا ينسحب هذا على الشكل الخارجي فقط، إنما يتجه إلى العمق، حيث ترى في لوحات محمد أبو عفيفة هذه، كائنات سابحة في ماء هذا العالم، وفي هواءه، دون أن يبدو عليها أدنى اهتمام، بل وربما انتباه حتى، إلى أنها مفككة، أو محطمة، تسير بأجسادها في اتجاه، بينما يبدو أن أفكارها تسير في اتجاه آخر.

 وربما أن الرؤوس التي لا تتصل مع الأجساد، والأيدي التي تسرح وحيدة دون أن تتشبث بشيء، إضافة إلى حيوانات أخرى كالقطط والتماسيح، والتي وعلى العكس من البشر، تظهر كاملة، يجعل من مسيرة الأجساد البشرية وأفكارها عبر هذا العالم التشكيلي، مسيرة غير آبهة ولا شاعرة بالزمن ولا بقيمة الوجود، أو على الأقل، سوف يبدو أن الوجود عبر التاريخ، لم يؤدِ إلى اجوبة أو نتائج أو أمان بشري، حتى الآن.

ويمكن ببساطة، ملاحظة تلك الحدود الزرقاء أيضاً، لتبدو عالماً كاملاً بذاته، عالم يحوي كل شيء، البشر وأفكارهم وبيئتهم، كصورة أخرى لوجودنا المعولم اليوم، وانكماش عالمنا ليصير أصغر وأقرب، وبالرغم من هذا، فالإنسان ليس بواحد، وكيف يكون هذا إن كان رأسه لوحده وجسده متفرقاً، أما عقله وأفكاره، فلا أحد يعرف إن كان يمكن استجماعها وهي تطير في كل اتجاه، وكما يبدو، فإن لوحات هذا المعرض، تتفق على أن البشر في متاهة، لا وجهة واضحة، ولا بر أمان.

 شعرت أثناء نظري إلى اللوحات، بهذا المفقود المشترك، الذي تشير إليه اللوحات، وفكرت، إن كان المفقود هو الوعي، في كومة مخلوقات لم تتشكل بعد، طيور وقطط وتماسيح، تبدو أكثر تصالحاً منا مع نفسها ووجودها، وتعالقها مع الحياة. أما الإنسان الذي يحيط به كل هذا في العالم، فهو يتجه للحفر أكثر والبحث دوماً، إضافة إلى طغيان حس الأسطورة التي يمكن قراءتها كمشروع للتشكيل، دون أن تشير إلى نهاية ما. والتي تحدث عنها الناقد التشكيلي مازن عصفور أيضاً في معرض حديثه عن اللوحات: “ما يلفت في الرسومات التخطيطية “موتيفات” للفنان محمد عفيفة، نزعتها شبه التجريدية المحفوفة بغناء خطي لا يخلو من حس الأسطورة ودلالاتها المكثفة التي توصل اليها الفنان عبر البساطة المدروسة في اختيار المفردات البصرية والتوظيف الناجح للخطوط المتقشفة والشديدة التعبير في آن واحد. استثمر الفنان تلك المفردات في تكويناته من دون مبالغة وابتذال في التشكيل  والتوظيف، ليقدم أعمال فنية مكتملة الشكل، وتعبر عن طقوس بصرية سحرية بحس مسرحي وروح كاريكاتورية. مع “موتيفات” عفيفة نجد أنفسنا أمام استعراض بصري من نوع خاص؛ استعراض يقارب بين تمثيلات البدائية الرمزية، وبين الغرائبية في تجلياتها التعبيرية المتقشفة، وهو ما اكسب أعماله الفنية مذاقا تعبيرياً بنكهة خاصة”.

أما الفنان محمد أبو عفيفة، وحين سألته عن علاقته الخاصة بلوحات هذا المعرض “موتيفات”، والذي احتضنه مقهى فن وشاي في جبل اللويبدة في مدينة عمان منذ بداية شهر آذار (مارس) الحالي، فقد قال لي باختصار: “موتيفات هو تحضير لمعرض أوسع وأكبر، وما يمكنني أن أقوله لا يتعدى كوني أعيش في مرسمي الآن بصحبة قططي، وقد بنيت معها علاقة تفاهم دون أبعاد لغوية، وشدتني طريقة حياتها وتعاملها معي، وبساطتها مقابل عالمنا المعقد، فأخذت أفكر إن كنا قد وصلنا إلى أي شيء حتى اليوم، في علاقتنا المعقدة مع الوجود، مقابل هذه الكائنات التي تبدو كانها متصالحة مع كل شيء ومنذ البداية”.

كاتب وباحث أردني  |  خاص مجلة قلم رصاص الثقافية

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

مصلوبٌ على باب الرقة

(1) في بلدتي يأتيكَ بالأخبار بائعُ الأحلامِ  والمناجلِ وسكَّاراتُ البليخ والحطّابات وتُشنقُ الطفولةُ دون أنْ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *