الرئيسية » ممحاة » زعران جسر الرئيس !

زعران جسر الرئيس !

من منّا لم يمش على رصيف جسر الرئيس في دمشق وهو ذاهب إلى عمله أو وهو عائد من أمسية أو ندوة أو فيلم سينمائي قبل أن تبدأ الأحداث في سورية، وتأخذ هذا المنحى الذي كشف ما هو مخبوء في نفوسنا كشعب كنّا نعتقد أنه شعب واحد، وكيف اكتشفنا أننا لم نكن في يوم من الأيام  شعباً متماسكاً بل كنّا شعباً ممسوكاً ما إن تراخت القبضة الحديدية التي تمسكه حتى تفلت من كل ما هو أخلاقي ومن كل الخصال الحميدة التي كنّا نعتقد أنها أحد أهم خصائص هذا الشعب.

وما أن بدأ نزوح الفقراء الذين فروا من جحيم الموت والنار حتى تلقفتهم أنياب الطمع والاستغلال بدءاً من ارتفاع أسعار المواد الغذائية حتى آجارات البيوت، كي ترزح هذه الأزمة بكل ثقلها فوق كاهل هذا الهارب من النار ليكتشف أنه لو قتل تحت أنقاض بيته لكان أهون من هذا الإذلال اليومي، ولَم تقف المسألة عند هذا الحد بل تجاوزتها ليصل هذا الإذلال حتى الحنجرة على حواجز القهر عند كل مفترق وفِي كل شارع بحجة وبغير حجة حتى بلغت وقاحة هؤلاء أن يقوموا ببث تجاوزاتهم بثاً مباشراً على وسائل التواصل الاجتماعي.

كان آخر هذه التجاوزات بثاً حياً ومباشراً من فوق جسر الرئيس من قلب العاصمة دمشق، هذه التجاوزات التي أظهرت قهر المواطن السوري من قبل حفنة من الأوغاد الذين لا عمل لهم سوى العبث والتحرش والضحك بطريقة وقحة عاهرة، وفوق هذا وذاك يشربون ويقومون بدعوة الطلاب ومعاكسة الطالبات وللأسف لم يستطع أحد من المارة أن يقول كلمة اعتراض في وجوههم أو أن يتبرم على أقل تقدير من هذا التصرف لأنه لو فعل سيختفي نهائياً خلف الشمس.

نعم بلغ إذلال المواطن السوري حد السكوت عن التحرش بالفتيات الذي كان قبل هذا الوقت البذيء لو حدث يستنفر كل من يسير على قدميه ولكان هؤلاء الكلاب لعبوا بعداد أعمارهم، إلا أن هذا البث المشهد يختصر حكاية القهر وما وصلت إليه أخلاق هؤلاء من انحطاط  ونكاد نجزم ألا أحد سيحاسبهم لأنهم فوق المحاسبة ومن يرعى هذه الحالة كان هدفه الوصول إلى حالة الصمت المطبق خوفاً من إخفاء قسري لا أحد يعلم عقباه، فهل هناك من شرفاء يحاسبون هؤلاء الرعاع أم لا حياة لمن تنادي ؟

 مجلة قلم رصاص الثقافية 

عن فؤاد ديب

فؤاد ديب
شاعر وصحفي فلسطيني سوري يعيش في ألمانيا، صدر له في الشعر (الورد لايوقظ الموتى -2006) و (ظل الرصاصة...جسد-2018).

شاهد أيضاً

متعبون من فرط النوم.. راقصٌ على إيقاع الغياب.. ضياع أنت يا صوت القصب

وحدكَ تدْقُّ الأرضَ عصاك مغشيّاً على وضحِ المدى   لا رفيقٌ يردِّدُ معك شعارَ الجلسةِ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *