آخر المقالات
الرئيسية » رصاص عشوائي » رهاب المنطقة الشرقية

رهاب المنطقة الشرقية

أسامة الشيخ |

 قبل أن التقي بالآنسة ليلى الدمشقية, لم أكن أعلم عن رهاب اسمه رهاب المنطقة الشرقية, والمقصود هنا بالمنطقة الشرقية محافظات الرقة ودير الزور والحسكة، أما الآنسة ليلى التي تجاوزت الخامسة والأربعين وهذا تقديري الشخصي لعمرها فكانت رئيسة المركز الوطني للمعلومات السمية في وزارة الصحة السورية، وطبيعة عملها توجب زيارة جميع المحافظات على الأقل مرتين كل سنة، وكوني كنت المسؤول عن هذا القسم في مديرية صحة الرقة كان يتوجب علي استقبالها وتأمين إقامتها خلال الزيارة, أكثر من مرة يردني كتاب يتضمن موعد زيارة الأنسة ليلى، إلا أنها كانت تعتذر في اللحظات الأخيرة، مرة بمبرر، ومرات بغير مبرر, حتى اضطررت في آخر مرة إلى أرفع نبرة صوتي وأنا أحدثها، رغم أنها تمثل رئاسة الدائرة في هذا الجزء من عملي, ولم أعد أكترث لأي كتاب بخصوص زيارة الأنسة للرقة ومراجعة عينات التسمم الخاصة بالمحافظة، في أحد الأيام اتصل بي أحد الأطباء الزملاء والمكلف بنفس القسم ليقول لي: الأنسة ليلى هنا في الرقة وتريد رؤيتك لضرورة العمل, وفعلاً ذهبت لمقابلتها وكانت معها أختها والتي عرفتني عليها بأنها أختها الكبرى وتعمل في وزارة الإدارة المحلية, وبعد أن تحدثنا مطولاً عن العمل والصعوبات التي نواجهها في المحافظة وضرورة الاهتمام من المركز بمحافظاتنا الشرقية المهمشة اقتربت مني وقالت هامسة:

 ـ دكتور لا تؤاخذني أنا عندي رهاب المنطقة الشرقية. أنا بخاف إجي ع الرقة وبخاف روح ع الدير والحسكة.

 حقيقة أنا تسمرت في مكاني ولم تعد تسعفني الكلمات, وأنا أشاهد نظرات هذه الطفلة الكبيرة, نظرات حملت كل براءة الأطفال، وكانت فعلاً مرعوبة وهي تشرح لي تلك الفوبيا اللعينة التي تلازمها منذ أن كانت طفلة صغيرة في المدرسة الابتدائية، وإنها لم تستطع المجيء إلى الرقة حتى استطاعت إقناع أختها التي تعاني نفس الرهاب بالمجيء معها، ولا تريد أن تجلب أي من موظفيها في دمشق لأنها لا تريد أن يعلم أحد بتلك الفوبيا, ولم تعد تملك المبررات لعدم زيارة الرقة.

 طبعاً لم استطع أن أزيل الرهاب من قلب الآنسة ليلى على الرغم من أنني اصطحبتها إل كل الأماكن السياحية، ومن ثم دعوتها إلى أحد مطاعم الرقة المشهورة بأكلها الطيب، وأحضرت زوجتي معي محاولاً أن أجعل الآنسة ليلى تشعر بالطمأنينة، ولكن هيهات، باتت ليلتها وسافرت صباح اليوم التالي وهي تحمل رهابها الشرقي معها.

سمعت الكثير ورأيت العديد من الأشخاص لديهم رهاب الأماكن المرتفعة، أو رهاب الأماكن المغلقة أو رهاب الأماكن المظلمة، أما رهاب المنطقة الشرقية فلم أعرفه إلا من حكايتي مع الآنسة ليلى, المشكلة الآن وبعد هذه الحرب الهوجاء واختيار «داعش» لمنطقتنا الشرقية منطلقاً لكل همجيتهم ومجازرهم, وبعد أن علقت الرؤوس على أسوار دوار النعيم ولعب الأطفال والكبار بتلك الرؤوس, وبعد أن أعلن المطرب واهي إسلامه, كيف نستطيع أن نزيل رهاب المنطقة الشرقية من قلوب الدمشقيات.

صيدلاني سوري مُقيم في السويد | موقع قلم رصاص

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

عبد الحميد عبد الله.. الشاعر الذي لا تعرفه المهرجانات

كلنا نعرف أن الإبداع حالة فردية، لذلك ترى المبدعين فرادى، وانصاف الموهوبين تراهم جماعات، شلل …