الرئيسية » رصاص خشن » تعبت يا أمي
تعب للفنان كريستيان كروك

تعبت يا أمي

عبد الحق لزغم   |

هنالك في تلك البيداء التي تفوح هواء عليلا يحاكي أنفاسك تنتظرين رؤية وجهي كل طلوع فجر ،تنتظرين صوت قرع حذائي ومواء قطتي وهي تهتف بقدومي أتمنى أن تغفري لي كل ذلك التعب الذي يولده انتظارك الطويل لي، أما ابنك في عاصمة الفوضى واللامبالاة، يجاري أيامه وحياته وقلبه، تعب في العمل وضغط كبير في الدراسة وقلب تائه يوما يرضى على من أحب وتارة يرغب في التراجع والابتعاد وتارة يهوى في طريق العودة إلى غرفته، فلا هو أحب فأخلص ولا أنا وعدت فوفيت، وكيف أفي وأنا لا أملك من عمري ولو برهة من الزمن …

تنتابني ذكريات الثلوج والبرد تنتابني أحلامي تحت غطائي الممزق في غرفتنا التي لم تكن تمنعنا من بلات المطر بل أذكر أنني كنت أنام ولاتنامين خوفا على زوج في صحراء بعيدة وعلى أكباد أن يطالهم البرد أو أن يوقظهم رعد، أنذاك كنت ذلك الطفل الشقي الحالم الذي لا يؤمن بالمستحيل ولا يسمع ما يقول الفاشلون من حوله وكانت  شجاعته  حينما كان يطيع أمه ويعود إلى المنزل قبل أذان المغرب ولا يعير اهتماماً لما يقول رفاقه، هي صور من ذكرى قريبة في الذاكرة بعيدة في الواقع، إنها لحظات الحلم الأولى لحظات الابتسامة الدائمة والتهريج…

لكن ذلك الطفل الشقي الشجاع تعب يا أمي…

نالت من ابتسامته الأيام المتكررة وسرقت الساعات ضحكة قلبه ولوثت وجوه البشر الحربائية أنهار قلبه، قد يعيب البعض أن يشتكي الرجل لأمه لكنني أعرف أنك الوحيدة التي  يمكنها سماع أنيني ولو عن بعد آلاف الأميال…

أتعرفين أن ذلك الطفل الذي كنت تحملينه على ظهرك أيام الحصاد ويراقبك وانت تذوبين مياه الثلج لتستعمليها في تحظير قهوة من عبق تلك السهول..

ذلك الطفل يا أمي أصبح كثير الحمل ثقيلا بالهموم والأعباء، تغيرت ملامح السرور من على محياه، تراكمت أخطائه وتعب من تداعياتها، لقد ودع  نومه الثقيل الذي كنت تعاتبينه عندما يكثر منه، لم يعد ذلك الأكول الذي طالما أضحكك بطريقة أكله الهمجية…

هكذا تغير شريط الحياة وتلون صمتاً وحزناً بعدما كان وردياً مملوء بالفرح والمسرة، أم تراه حظنا الصغير من 

الفرح بدأ وانتهى بعجالة وكأنه جاء مرتحلا غير ماكث، قد أبدو متشائماً يا أمي لكنها غمامة تطيل البقاء فوق ضلي هي ذكرى الأحلام الفاشلة وارتدادات أخطاء لم تكن ذا عهد معي، يا ليتني لم أحقق شيئاً مما كنت أحلم فهذا القلب المشوش لا يرضى بأنصاف أحلام، ولا بأنصاف قصائد…

…ذلك الطفل المجنون أحبَّ ووَاعَد ووَعَدَ وهل تراه الحب ينفع المجانين فحسبه أن يزيدهم جنوناً فوق جنونهم ويضلهم عن وجهة الحياة، حتى وإن شعروا بانه هو الحياة أحيانا، لانختار يا أمي متى وكيف ومن نعشق ومن نحب.. بل هي صدف ومواقف تلقي بنا إلى شواطئ الحب التي لاتختلف عن شوطئ البحر هي أيضا فيها من يستمتع عليها بأشعة الشمس وصوت أمواج البحر وفيها من يسبح خائفا ومحترزا  وفيها من يسبح ويثق في البحر كثيرا وفيها من يغرق ويفقد ذاته ولا أحد يسمعه ولا يراه فينقضه…حقا إن هذا البحر لا يرحم الغريق ولا الحبيب الواقف على شاطئه ينتظر رجوع محبوبه حتى مياهه لا تصلح لغسل العينين من دموع الفراق…

لا إنصاف ولا مواساة في هذا البحر المزدحم.

عندما  نحب للوهلة الأولى  نخاف لكن ذلك الخوف سرعان ما يختفي في غمرة تلك اللحظات الآسرة والجميلة، ياليت ذلك الخوف لم يفارق عقولنا ولا قلوبنا..

سيبقى الألم واللاطمأنينة يرافقاننا مادام الحب يسري بيننا فلى الحبيب يهنأ بأن المحبوب من نصيبه ولا أنا أثبت قلبي وأزيل تردده…

صحفي وكاتب ـ الجزائر   |  خاص مجلة قلم رصاص الثقافية

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

متعبون من فرط النوم.. راقصٌ على إيقاع الغياب.. ضياع أنت يا صوت القصب

وحدكَ تدْقُّ الأرضَ عصاك مغشيّاً على وضحِ المدى   لا رفيقٌ يردِّدُ معك شعارَ الجلسةِ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *