آخر المقالات
الرئيسية » رصاص حي » الزمن في ثلاجة

الزمن في ثلاجة

ظلال عثمان  |

أظن أنه بالإمكان تجميد الزمن في ثلاجة لاستخدامه لاحقاً.. وهو ما رأيته تماماً في هذا الصباح المشمس.

وأنا خارجة إلى عملي، صادفت عند باب البناء الذي أسكن فيه جارتي وابنها. وقد دعتني لأذهب معها إلى مدرسة ابنها لأنها تريد أن تسأل المدرسين عن أدائه، وبما أنه كان لدي فائض من الوقت، ذهبت معها.

عندما وصلنا، بإمكاني أن أؤكد وأجزم تلك اللحظة بأننا وضعنا في آلة الزمن الخرافية لتعود بنا للخلف… كل شيء على حاله تماماً وكأننا لم نغادر العام 2011 أو العام 2000 أو العام 1990 أو…… ولم تقم قيامتنا.

المدير ذو العيون الضيقة والنظارات السميكة يصرخ بأحد الطلاب: «ولاك حيوان، اخفض نظرك عندما أحدثك….» وجهه يتفتق عن جدية هتلرية تقشعر لها الأبدان وتتلعثم لها الألسن. ومن ثم هرع المدير وهرعنا خلفه نحن المراجعين، الأمهات والآباء، لأنه كان يريد منا أن نحضر تحية العلم معه، وهو طقس قسري يؤدى فيه تحية للعلم وغناء للنشيد الوطني في نظام منضم شبه عسكري.

اصطف الطلاب أرتالاً بوجوههم التي يعلوها الملل، يقابلهم الأساتذة اليائسون بوجوههم التي يعلوها الصخر، يتصدرهم المدير الجدي قائد الجوقة، ممسكاً ميكرفوناً يشبه البوق، وكنا نحن الأهالي نتكوم على جانب المشهد، وبعضنا يكتم ابتسامات متأففة. لانحيازه للشر،

ممسكاً ميكرفوناً يشبه البوق، وكنا نحن الأهالي نتكوم على جانب المشهد، وبعضنا يكتم ابتسامات متأففة.

وأما العلم الذي كان على الجميع تحيته، فكان ممزقاً كعادته في مدارس الأحياء الشعبية، يخفق هناك على شكل خرق متعددة، في الهواء الطلق، فوق مدرسة معمارها قديم لم تسلم شبابيكها وبعض جدرانها من صواريخ العام الماضي. تئن المدرسة وكأنها تقف على قدم واحدة وتدّعي الصمود رغماً عنها.

أحدهم لم يخبر المدير أننا لم نعد أمة عربية واحدة!!

ويا للتهكم!!… يبدو أن المدير آلة تسجيل قديمة لم تتعطل بعد، فراح يعيد ويزيد بأعلى صوته أمام الطلبة: أهدافناااااااااااااا

أمةةةةةةةة عربيةةةةةةةةة واحدةةةةةة.

ومن ثم استااااارح واستااااااعد… وكل هذه الذكريات التي عشناها جميعاً، ولم يكن ينقص الطلاب سوى بنادق ليخرجوا من المدرسة جنوداً متأهبين في معركة.

حين انتهى العرض الفلكلوري، مشى المدير رافعاً رأسه على رقبة غليظة، لا يسمع أحداً.. نحو مكتبه، كان يبدو كديك انتهى من مهمة الإلقاح وذهب لنيل قسط من الراحة.. أسرعت جارتي خلفه وأسرعت أنا خلفها لنذكره بنا، ما كان منه سوى أن خاطبنا وكأننا طلابه أيضاً:

ما هذه الفوضى؟! اصطفوا في الدور خلف بعضكم، أهم شيء النظام، ليس غريباً أن أولادكم أشقياء وأن العالم تآمر علينا، متى تتعلمون النظام يا  فوضويين؟!

خاص مجلة قلم رصاص الثقافية

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

أحمد جوني و”هرم أغنادين”

أن تبدأ مسيرتك الأدبية بعمل روائي، وأن تكون روايتك الأولى (538) صفحة، وأن تكتبها على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *