الرئيسية » ممحاة » الضحك على الشعب.. اضطهاد الشعب!

الضحك على الشعب.. اضطهاد الشعب!

زيد قطريب  |

الكتابة عن يوميات الحرب السورية، أصبحت أوراقاً للحصول على الإقامة ومعاملاتٍ لنيل الجنسية وتأمين الوظائف.. أولئك الكتاب الذين لم يتجرعوا كأس الموت السورية، يعرضون مؤلفاتهم في باريس واسطنبول وهامبورغ، كأنهم الناجون الأخيرون من المحرقة، مع أن “الطابق” لم يعد مستوراً، سواء عدنا إلى يومياتهم ما قبل الحرب – الثورة، أم بعدها، فأولئك كانوا يأكلون البيضة والتقشيرة كما يقول أخوتنا المصريون!.

يجلس السوري على المنصات الإعلامية في باريس كي يناقش ديوانه الشعري عن الحرب التي شاهدها فقط على نشرات الأخبار، ولا يخطر في بال المذيع أن يسأله لماذا لا يذهب إلى سوريا، ليستقر في المناطق التي حررتها “الثورة” كي يكون متلاحماً مع “الشعب”؟. طيلة ساعة من الزمن تغلب السياسة على الشعر في اللقاء، وهو ما يؤكد ضحالة النصوص المكتوبة لأنها ليست من لحم ودم بكل بساطة!. في النهاية يقول الشاعر الجالس على ضفاف نهر الراين: “كيف نتحدث عن الشعر على ضفاف نهر من الدم”؟!.

الانفصام يبدو كارثياً، فالشاعر المعارض لـ”الدكتاتورية” السورية، يبدو موظفاً صغيراً عند دكتاتورية عربية “أدق رقبة” كما يقول المثل الشامي، بل إن هذا النوع من اللقاءات والمؤلفات التي تبتكرها تلك الفئة بأجهزة التحكم عن بعد، ليست سوى معاملات رسمية وطوابع من أجل العبور إلى تأمين الحال والأولاد في الدول الأوروبية للأسف!.

التنافس لنيل رضا المنابر الإعلامية الخارجية، كان سيد المشهد طيلة سنوات الحرب، فمن أجل حفنة من الدولارات، راح الأخوة “الأعدقاء” يتبادلون التقارير الكيدية ضد بعضهم في المجلات والجرائد والمواقع الإلكترونية التي استقطبت الكتاب السوريين بمبالغ كبيرة من الدولارات لقاء نص لا يتعدى الخمسمئة كلمة، حتى إن مسؤولاً عن موقع مهم في إحدى القنوات التلفزيون السورية المحلية، انتقل على حين غرة إلى الضفة الأخرى وراح يمارس تقنيات الإعلام الرسمي السوري في “سفق” التقارير بأصدقائه لاستبعادهم عن “رزقه” في هذا المنبر أو ذاك.. نستطيع أن نذكر العديد من الأسماء المتورطة في هذا الأمر!.

اشتهينا لواحد من أولئك أن يُسجل في تاريخه صفعةً واحدة تلقاها من المخابرات، لنسجله له كإنجاز ولو على عيون العالم ومن أجل التاريخ فقط!. بل إن توقيف أحدهم بسبب هروبه من الخدمة العسكرية لمدة يومين في السجن، تحول إلى مرثية يتسوّل عليها من المنظمات والتنظيمات التي يمكن أن تدفع المبالغ وتؤمن الوظائف بتوصيف “عطل وضرر” على شظف المعاناة “المفبركة” ولقاء عملية شراء المواقف التي سيكون على الكاتب تقديمها مقابل العملة الصعبة!.

طيلة سنوات، ظلّ الضحك على الشعب أكثر فداحة من اضطهاد الشعب، ولأن  العملية تتصل بالجانب المعرفي والتنويري الذي يفترض أن يتنكبه من خذل أبناء جلدته لقاء المال أو بسبب قراءات خاطئة للتاريخ، فإن الحالتين كانتا كارثيتين لا يمكن أن يسترهما ديوان شعر  يصدر  في “غازي عنتاب” أو باريس وميونخ!.

عقد بيع بسعر بخس، وقعه الكثيرون أثناء المراهنة على “كديشٍ” ليس أصيلاً، ولو أن أولئك يكتفون بالصفقة التي حققوها فيصمتون مداراةً وخجلاً، أو احتياطاً من المستقبل غير المضمون على أسرهم ووظائفهم التي قبضوها كثمن لكل ذلك، لكن الأمر أجدى حتى على صعيد “ندى الجبين” إن كان وارد الحدوث!.

التوقعات تقول إن ما كسبه أولئك في مراهنات المزاودات، لم يكن حصاناً عربياً أصيلاً بل “بغلاً” وهو  يوشك الآن على “التلبيط” فعلاً!.

شاعر وكاتب سوري  |  خاص مجلة قلم رصاص الثقافية

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

متعبون من فرط النوم.. راقصٌ على إيقاع الغياب.. ضياع أنت يا صوت القصب

وحدكَ تدْقُّ الأرضَ عصاك مغشيّاً على وضحِ المدى   لا رفيقٌ يردِّدُ معك شعارَ الجلسةِ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *