الرئيسية » ألوان خشبية » جمعية فضا في سورية: لقاء الكائنات الإنسانية

جمعية فضا في سورية: لقاء الكائنات الإنسانية

كل الكائنات تولد معها خصائصها، إلا البشر؛ فإن إنسانيتهم مكتسبة، لذلك يمكننا القول إن كل إنسان هو كائن بشري، وليس كل كائن بشري إنساناً. هذا الفرق الهائل يبدو للعيان في الأزمات، والحروب؛ والمجاعات. وقد اجتمع هذا الثلاثي المقيت في سورية. فرأينا أنياب البشر، ومخالبهم؛ وقدرة البعض منهم على السلب والنهب، وقدرة البعض الآخر على القتل أيضاً. إلا أن هذا المخاض لم يتوقف عند أولئك، فثمة قلوب نظيفة، وأيادٍ بيضاء، وأبعاد إنسانية استيقظت في نفوس الكثيرين، هذا الفائض من الحب رأيته في كل المحافظات السورية، إلا أن فرصة اللقاء بتلك الكائنات الإنسانية لم تتوفر لي كما توفرت الآن. جاءت الدعوة من رجل الأعمال السيّد ياسر الموسى. وإذ بمجموعة فتيات، يتصدرن تلك الطاولة التي تحلقنا حولها، يتحدثن عن بناء القدرات؛ وتطوير المهارات في الجوانب الثقافية والاجتماعية والقيادية والاقتصادية، وتعزيز التواصل وغير ذلك مما يحتاجه المجتمع السوري المنهك. انتهى ذلك اللقاء؛ وبقيت أصواتهن عالقة في مسامعي، وصورهن لا تفارق عين خيالي، ورحت أتساءل: ماذا لو قيض لتلك الفتيات، وأمثالهن؛ فرصة حقيقية؛ وأخذن دورهن في المجتمع؟ هل يمكن لأحد أن يرفع السلاح بوجه ابتساماتهن العذبة؟

بعد أيام التقيت بالأستاذة سحر أحمد؛ لأسباب بعيدة عن (جمعية فضا) التي هي عضو متطوع فيها. وعلى فنجان قهوة تداولنا دور تلك الجمعية في الحياة العامة. لم تتحدث سحر عن دورها مطلقاً، ولا عن مساهماتها، تحدثت عن الجمعية، وباسم الجمعية!! انتهى ذلك اللقاء، ولم تنته في نفسي المقارنة بين أعضاء تلك الجمعية، وبين الموظفين في المؤسسات الرسمية، وأنا منهم!! بعد أيام وجدتني أتصل بالأستاذة سحر، وأطلب منها أن تأخذني إلى مقر الجمعية، وهناك التقيت للمرة الثانية بالأستاذة ماريا فاطمة عباس. جلسنا في مكتبها المؤثث بأحلام أعضاء الجمعية ببناء الإنسان. كنّا ثلاثة؛ وكانت الأحلام رابعنا، فماريا التي جاءت من الأرجنتين، لتثبت للناس أن تاء التأنيث ليست ساكنة، وأنها في محل رفع فاعل، إذا أرادت أن تكون، وسحر التي عادت من دمشق، لأنها تعرف أن رغيف الخبز يحتاج إلى عشرات السنابل، وأنا المهجّر من الرقة، وابن الشمس التي تنضج السنابل. فتوجهت بأسئلتي للأستاذة ماريا باعتبارها رئيسة الجمعية، وسألتها عن ولادة فكرة الجمعية وغايتها النهائية؟ فأجابت: بدأت الفكرة كمجموعة افراد مختلفين يعملون مع جهات مختلفة لنلتقي بعدة مبادرات، لنشكل فيما بعد مجموعة واحدة عملنا منذ عام ٢٠١١ وتأسسنا كجمعية ٢٠١٥، وكانت الفكرة الاساسية التي انطلقنا منها هي العمل التنموي فجميع الجهات التي كانت تعمل في طرطوس إغاثية وخيرية.

وانطلقنا بالعمل التنموي بسبب الحاجة لتفعيل دور الاشخاص مجتمعيا من خلال بناء قدراتهم الشخصية ودفعهم للإيمان بمهاراتهم وتنميتها، ليشكلوا فيما بعد مجموعات وفرق تلبي حاجات مجتمعية يلمسونها بأنفسهم ضمن تفاصيل حياتهم وتجاربهم ليضعوا بعد ذلك الحلول ضمن مبادرات تستهدف المجتمع معتمدين بذلك على مواردهم الذاتية وموارد المجتمع نفسه لتحقيقها.

فبدأنا بالعمل على تعزيز ونشر ثقافة التطوع وبناء ذهنية للعمل الجماعي التشاركي لتكون غايتنا النهائية هي الأثر الذي سيتركه هذا العمل التراكمي على المدى الطويل، ليحقق الفرد والمجتمع دوره ويكون فاعلا ضمن بيئته ومحيطه. عدد المؤسسين 18 مؤسساً، من الجنسين تتراوح أعمارهم بين ١٤ و٤٥ عاماً، عدد المتطوعين ٦٣٠متطوع منذ العام ٢٠١٥، الفاعلين حوالي ١٥٠ بين عمر ١٤ و٤٥.

ثمة أسئلة كثيرة تداولناها، إلا أنني رأيت من الخطأ كتابتها هنا، فالعمل الإنساني يقوم على الحب والمعرفة، وكلاهما متوفر لدى أعضاء تلك الجمعية. فهم يعرفون ماذا يريدون، وكيف يفعلون ما يريدون. إلا أنني كنت كصحفي بحاجة إلى قراءتهم للواقع، ومعرفتهم بخارطته الاجتماعية، فسألت عن ذلك، فقالت: تفتقر طرطوس لتجربة العمل التطوعي وثقافة العمل الجماعي كما تفتقد للعمل التنموي بكل مناحيه الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، ورغم وجود جهود مختلفة رسمية إلا انها تحتاج لتضافر مجتمعي ليكون شريك يضمن استمرارية ونوعية التجربة.

لم تتوقف الأسئلة، فالأسئلة كالحديث تتوالد. توقفت الدهشة من أن مجموعة من الشباب لديهم هدف إنساني مشترك، وهدف تنموي لبلدهم المنهك، بعيداً عن الشعارات. مجموعة شباب أدركوا خطر تآكل المجتمع فحاولوا أن يضمدوا جراحه بالحب، والمعرفة. فالتنمية حسب الويكيبيديا هي : عنصر أساسي للاستقرار والتطور الإنساني والاجتماعي، وهي عملية تطور شامل أو جزئي مستمر وتتخذ أشكالاً مختلفة تهدف إلى الرقي بالوضع الإنساني إلى الرفاه والاستقرار والتطور بما يتوافق مع احتياجاته وإمكانياته الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، وتعتبر وسيلة الإنسان وغايته. من خلال هذا التعريف، يمكننا القول أنهم أدركوا هذه المعاني لمشروعهم، وها هم يحاولون الوصول إليها عبر- مبادرات ومشاريع تنموية مبنية على حاجات المجتمع- ورشات وبرامج تدريبية، وتأهيل كوادر عمل – تشبيك وشراكات مع المجتمع المحلي، وخلق فرص عمل – تبني حاجات المجتمع والأفراد – تطوير وتمكين قدرات ومهارات أفراد المجتمع – تفعيل موارد الشباب . والأهم أن الجمعية تتبنى مشروعاً لليافعين يهدف إلى دعم مفاهيم المواطنة واللاعنف بين اليافعين. وهذا المشروع يمكن اعتباره أحد عناوينها المركزية.

غادرت مقر الجمعية وما غادرتني دمعة ماريا وهي تروي لي المآسي التي شاهدتها من خلال عملها في الجمعية. تنكبت صمتي وغادرتها وأنا على يقين من أن سوريا ولادة، ولن تتوقف عن ولادة القلوب المحبة، والأيادي النظيفة، مهما تمادت الظروف بقذارتها.

موقع قلم رصاص الثقافي

عن إبراهيم الزيدي

إبراهيم الزيدي
شاعر وكاتب سوري، عضو اتحاد الكتاب العرب، كتب ونشر في العديد من الصحف والمواقع والمجلات السورية والعربية، صدر له في الشعر: كلمات بلون الحب ـ ثم ليلى، ورواية «حب تحت الأنقاض».

شاهد أيضاً

متعبون من فرط النوم.. راقصٌ على إيقاع الغياب.. ضياع أنت يا صوت القصب

وحدكَ تدْقُّ الأرضَ عصاك مغشيّاً على وضحِ المدى   لا رفيقٌ يردِّدُ معك شعارَ الجلسةِ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *