آخر المقالات
الرئيسية » ممحاة » من أجل ربعية حلاوة

من أجل ربعية حلاوة

قبيل المئوية المشؤومة لوعد بلفور الشهير والذي أسميناه نحن كذلك كعادتنا باطلاق وتوصيف كل حدث بما يليق وضعفنا وقلة حيلتنا وتفرغنا لقتل بعضنا كما كنا نفعل حين كانت حياتنا عبارة عن تنقل دائم بحثاً عن شربة ماء وبعض العشب للقطيع حينها كنا نتحارب ونقتل بعضنا من أجل ناقة أو ربما كلب، لكننا برعنا بالشعر والفصاحة فورثنا الاثنتين عن أجدادنا، ورثنا جينة ذبح بعضنا دون إيجاد علاج لها حتى الآن وورثنا الفصاحة وتورية الهزائم بتوصيفات لغوية تخفف من وطأة ضعفنا واستسلامنا لواقع ما بعد الهزيمة فوعد بلفور أسميناه مشؤوما وهزيمة 1948 أسميناها نكبة.

وبعد ذلك بتسع عشر عاماً اجتاح العدو ما تبقى من فلسطين واحتل سيناء والجولان وكاد يصل دمشق فأسمينا تلك الهزيمة النكراء النكسة، وما بين نكبة ونكسة وقبلهما شؤم بلفور تغولت جينة القتل فينا وبين بعضنا حتى نسينا فلسطين، بل وأصبحت عبئاً على العرب ممثلين بطبقة برجوازية طفيلية حاكمة، وأصبحت تشكل عبئاً على الطبقة البرجوازية الفلسطينية الذيلية التي ارتبطت مصالحها تاريخياً بمصالح العدو فمنذ إعلان دولة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، وما قبل ذلك الاستعمار الإنكليزي وقبلهما الاستعمار العثماني كانت لهذه الطبقة مصالح ستنتهي بانتهاء الاستعمار، فكان من مهماتها خدمة مصالحه وتبنيها وتجميلها بأوصاف منمقة ذات وقع أخف وطأة على الأذن من كلمة العمالة، وما اسم الأمن الوقائي إلا خير دليل على ما وصلت إليه هذه الطبقة من إيغال في تعاملها مع العدو والدفاع عن احتلاله والوقوف في وجه أبناء شعبهم من أجل مصلحتهم.

فهذه الجينة الموروثة منذ أيام امرئ القيس والغساسنة والمناذرة نخرت في عظم البنية الاجتماعية لهذه الطبقة الطفيلية التي تعاملت مع الوكالة اليهودية منذ تأسيسها فاقترضت منها مبالغ بأرقام كبيرة تلك الأيام وسهلت لهذه الوكالة شراء الأراضي وعملت بعض اﻷسر البرجوازية كسماسرة عقارات تجمل وتقنع أصحاب الأرض كي يبيعوا أراضيهم لليهود وللوكالة نتيجة ارتباط وجود هذه الأسر بوجود الاحتلال، ولا نستغرب عندما نقرأ بعض الوثائق من دناوة نفس بعض ملاك الأراضي فمنهم من باع أرضه لأنه يريد شراء ربعية حلاوة ومنهم من باعها كي يتزوج بامرأة ثانية ومنهم من باعها كي يذهب إلى القاهرة لحضور حفل غنائي ﻷم كلثوم واﻷنكى أن هناك من باعها كي يشتري راديو ترانزستور كل هذا كان مبرمجاً ومسهلاً من قبل هذه الطبقة كي تتدفق هجرة اليهود ولتسهيل استيلائهم على الأرض بكافة الوسائل، ولم يكن دور اﻹقطاعيين العرب أقل تواطؤاً وخيانة بل أكبر بكثير نتيجة امتلاكهم لمساحات كبيرة من اﻷراضي فباعوا أراض شاسعة المساحة شكلت الأراضي التي باعها الفلسطينيون نقطة في بحر ما باعوه لليهود وهذه الأسر اللبنانية والسورية من أعرق الأسر التي تحافظ حتى اﻵن على ميراثها البرجوازي ولسنا بوارد ذكر أسماء هذه الأسر، لكن الوثائق تثبت تورطها بالبيع وتورطها بدور ما في تكثيف الهجرة اليهودية إلى فلسطين فمجموع اليهود في فلسطين ما قبل وعد بلفور لم يكن أكثر من عشرة آلاف يهودي عام 1840 لكن هذا الوعد الذي كان في ظاهره انكليزياً كانت بريطانيا قد عرضته على الولايات المتحدة اﻷمريكية وفرنسا وإيطاليا قبل إعلانه رسمياً عام 1917 فقد وافقت عليه فرنسا وإيطاليا علنا عام 1918 وتلاها ويلسون الرئيس الامريكي حينها عام 1919 لتتبعهم بعد ذلك اليابان وغيرها نتيجة ارتباط مصالحهم واحتياجهم لليهود، وإرادة التخلص منهم بنفس الوقت ودفعهم بعيداً عن أوروبا فوجدوا في فلسطين مكانا مميزا يخدم مصالحهم بعيدة المدى ووجدوا عند الطبقة البرجوازية العربية استعدادا غريبا لقبول هذا الكيان بل والشعور بحلاوة طعم التعامل معه يوما بعد يوم من أجل الحفاظ على مصالحهم وتنميتها فطعم النقود والامتيازات حلوة المذاق وهناك فرق شاسع بين من باع أرضه خدمة للعدو ومن باع أرضه من أجل ربعية حلاوة وهو غير مدرك لنتائج هذا العمل.

مجلة قلم رصاص الثقافية

عن فؤاد ديب

فؤاد ديب
شاعر وصحفي فلسطيني سوري يعيش في ألمانيا، صدر له في الشعر (الورد لايوقظ الموتى -2006) و (ظل الرصاصة...جسد-2018).

شاهد أيضاً

فلاش سوري

حين عدت إلى سوريا، سكنت في بداية الأمر بمكتب لأحد الأصدقاء، ريثما أجد بيتاً أستأجره، …