الرئيسية » رصاصة الرحمة » مفترق طريق!

مفترق طريق!

يصر الكثير من الكتاب والمهتمين، على أننا كشعوب شـــرق أوسطية على مفترق طريق، ومع  أن تكرار هذا التوصيف / التسمية لدرجـة القرف، لا بـد لـنا مـن سـؤال هـو: هـل نـحن علــى طـريق كـي نـصل أو لا نـصل إلـى مفترق ما؟ وهل انعطفنا سابقاً كلما نبهنا

هؤلاء بأننا على مفترق طريق وإتخذنا الإجراءات اللازمة؟ أم استمرينا في “الطريق” أو ربما اتخذنا منعطفات أخرى تودي الى طريق أو طرق أخرى؟ لا أعتقد أيها السادة الأفاضل بأننا على مفترق طريق، أساساً لسنا على طريق كي نلاحظ منعطفا هنا ومطب هناك، فالطريق شقت مع عصر الأنوار ولم نتخذها درباً، ولم نقربها إلا شفاهة، و وعوداً، أما سلوكها فهو شيء آخر تماماً.

هل كنا على طريق عندما حلت علينا بركات الثورة العربية الكبرى بقيادة لورنس، وإنتبهنا إلى المفترق الذي عنته باكتشاف سايكس بيكو مثلا؟ أم “لاحظنا” أن هناك مفترق وقاس أيضاً عند وعد بلفور الذي جاء بعد مؤتمر بفترة طويلة، وجاء إغتصاب فلسطين بعدها بفترة أطول، أولم يكن ذلك على مفترق “الطريق” الذي نسلكه؟ ولما نزل حتى يومنا هذا غارقون في لاطريقنا على الرغم من مئات المفترقات التي سمعنا بها، ولعلنا نتساءل ما الفائدة من سماعنا بالمفترقات الطرقية هذه، إذا لم نكن على طريق أساساً، مع العلم أن الطريق واضحة لا يقدر استعمار، ولا إتفاقيات، ولا مؤتمرات ولا مؤامرات عن ردعنا من سلوكها.

 شيء واحد يمكنه أن يمنعنا، هو ثقافة الجهل والتخلف، إنها الثقافة التي تمسكنا بأهدابها، كطفل باك يتمسك بأهداب والدته التي لا حول لها ولا طول، خصوصاً أن المعرفة ومنذ الأزل هي مادة عمومية يستطيع البشر كل البشر الإفادة منها ووضعها موضع التطبيق والممارسة، لا فضل ولا ميزة لأحد على أحد، فمن أمارسها فلح وسار على طريق، ومن لم يمارسها فلم يعثر على طريق، أما الذي علم بها وعاند برفضه لها وأشهر في وجهها التافه والمستعمل والمهترىء من معارف، ضاع في تيهه في دروب الفناء. جميعنا يعرف عن فوات الفرص من حوادث وأحداث وطرف، ولكن أن تضيع فرصة تأسيس المجتمع من أجل إنتاج دولة؟ فهذه ليست طرفة مهما كانت فانتازية، أو غرائبية، ولما نزل نعتبرها كذلك طرفة غرائبية فانتازية، أو تضيع فرصة العلمانية المؤدية الى إنتاج وطن وهو غير (البلد أو البلاد)، فهذا ليس سلوك لطريق يمكن أن تظهر فيه مفترقات، إنه خبط عشواء جمال، بين كثبان تغيرها الريح، دون أن نحسب للريح حساباً. لنسأل مرة أخرى، حول اتعاظنا أو استفادتنا من (مفترق الطريق)هذه، هل هناك من “دولة” في العالم أعضاؤها ليسوا متساوين دستورياً، إلا هذه البلاد؟ ونعود قائلين إننا على مفترق طريق، أرجو أن لا يكون مفترق الطريق هذا ناتج عن خرق أو تحطيم محاصصة طائفية هنا، أو زواج مختلط هناك. أو خدش للحياء العام، أو إساءة الى شعور إحدى العشائر، هنا وهناك، لأنه ساعتها سوف تغلق الطريق المشتهاة بسبب تراكم جثث الحرب الأهلية. أرجوكم أوقفوا هذه العبارة (مفترق طريق) لأننا لا نسلك طريقاً، وكل ما نأمله أن تكتب لنا طريق الى الجنة.

مجلة قلم رصاص الثقافية

عن نجيب نصير

نجيب نصير
كاتب وسيناريست سوري عريق، كتب العديد من المسلسلات السورية التي لاقت إقبالاً كبيراً، تمتاز أعماله بطابع خاص، ومن أبرزها: نساء صغيرات، أسرار المدينة، الانتظار، تشيللو، فوضى، أيامنا الحلوة، وغيرها.

شاهد أيضاً

متعبون من فرط النوم.. راقصٌ على إيقاع الغياب.. ضياع أنت يا صوت القصب

وحدكَ تدْقُّ الأرضَ عصاك مغشيّاً على وضحِ المدى   لا رفيقٌ يردِّدُ معك شعارَ الجلسةِ …