آخر المقالات
الرئيسية » إبــداع » الأمل “حرام”

الأمل “حرام”

مرهف يوسف  |  

عبود الصّغير الجميل ذو الشّعر الأسود الجعدي، والعينين البنيتين،  يجلس بأمان على سطح منزلهم  بجانب والده  في ليلة صيفيه من ليال تموز  المقمرة، يحتسيان الشاي ويستمتعان بصحبة القمر.  لطالما  ساد اعتقاد في رأس عبوّد بأن والده يعرف كل شيء عن هذا العالم الغريب وبأنه يمتلك الأجوبة عن كل تفصيل  في هذه الحياة،  فلم يكد سؤال يحضر في مخيلته حتى يطلقه كلاماً مستفسراً ليبادر الأب بالإجابة بأجوبة واقعية حيناً وخيالية في كثير من الأحيان .

– من وضع النجوم ؟ من الذي يلتهم القمر في كل شهر؟؟  من سرق  شمس الصباح ؟  لماذا ننعس و ننام في الليل؟ لماذا رحلت جدتي لماذا لا نستطيع الطيران؟ هذا من غيض من فيض أسئلة عبود البريئة وما أن يلقى الجواب الشافي من والده العارف بأمور الدنيا، حتى يبدأ بتطريز حلمة الخاص :

– عندما أكبر يا أبي سأغير شكل النجوم وأجعلها على شكل أقراص فلافل، علّ الذي يلتهم القمر خلسة في النهار أن ينصرف عن القمر قليلا ، فهناك مايكفي من أقراص الفلافل أقصد “النجوم ” ولكن لا يوجد إلا قمر واحد! ومن ثم سوف أقنع الشمس بأن  تصبح صديقة للقمر فربما يتزوجان ويبقيان سويا  وبذلك لن ننعس و لسنا بحاجة لأن ننام وليس هناك خوف من الظلام، سوف أعيد الحياة الى جدتي وأدعوها هي إلى هنا عوضا عن أن نذهب نحن إليها، لأن الأرض حينها سوف تكون أجمل من الجنة بكثير.

انتفض الأب وقاطعه على الفور وقال محذراً:
–  توقف ياعبود هذا كلام “حرام ” .

لم يفهم عبود معنى كلمة “حرام” تلك، لم يكن لها مكان في قاموس عقله بعد،  لكن قسمات وجه والده وشت بأنها كلمة ذات هيبة ومخيفه جداً ولابد بأنه سوف يعاقب عليها في يوم من الايام فتوقف عبود عن تطريز حلمه الآني وبدأ يحتسي الشاي مقلداً لحركات والده وجلستة بل وحتى بصوت ارتشاف الشاي .

وفجأة هبط  شهاب  في السماء مخلفا ذيلاً نارياً وضّاءاً انتفضت أسارير وجه عبود على اثره وانسكب الشاي وابتلع مابقي في فمه منها على عجل، مستطرداً في السؤال عن هذا الشيء الرائع،  فأخبره والده الذي بدا  أكثر حذراً  في أجوبته بأنه هذا هو الشهاب ويقال بأن من يتمنى أمنية أثناء فترة سقوطه فلابد وأنها سوف تتحقق.

– هل الأمنية حرام يأبي، قالها عبود مستفسراً

ارتبك الأب و اكتفى بارتشاف ما تبقى من شاي في كأسه…

بدأ عبود على الفور  بانتقاء أمنيته، غيرها مراراً وتكراراً حتى وجد ما يناسبه ، وانتظر ليلتها حتى الصباح لكن الشهب لم تهطل وتكرر الأمر ذاته في الليالي التي تلت، لكن شيئا ما لم يحصل،  يئس عبود من أمر الشهب تلك، ولكن بعد شهر وبينما كان يحضر بعض الحاجيات من الحارة المطله على التّل، رأى شهباً تسقط بسرعة حاول بجهد استذكار أمنيته وحينما نجح كانت الشهب قد اختفت، أحسّ عبود الصغير  بخذلان شديد، وفي لاحق الأيام تكرر الأمر كثيراً فقد كانت المدة الزمنية لسقوط الشهب أقصر من قدرتة في استيعاب واستحضار الأفكار في رأسه ومن ثم نطقها، حيث شكل هذا الأمر هاجسا في عقل عبود إلى أن أقنعته والدته في محاولة منها لمساعدته بأن التمني أيضا “حرام” .

كبر عبود وكبرت هموم الحياة معه ولم يعد يهتم لا بالشهب ولا بالنجوم فبدلا من أن تتحول النجوم إلى فلافل تحولت إلى طائرات ولم يعد يميز مابين ذيول القذائف النارية و بين الشهب الملتهبه والقمر لم يعد  يعنيه فقد كان نظره مسمراً في الأرض مقلباً همومه وأوجاعه في رأسه محاولاً إيجاد الحلول المناسبة لها،  شاخ عبود في ريعان شبابه، كان غذاء روحة الوحيد في الحياة هو “الأمل” إلى أن اكتشف ومع مرور الأيام بأن الأمل ليس بأفضل حال من الشهب و بأنه من فصيلة التمنيات، فهو لا يكاد يظهر متمثلاً بابتسامة جافة على شفتيه حتى ينتهي، لم يكن والدة ولا والدته موجودان  ليخففان عنه  همه وكربه و لم يستطع أيضاً أن يعيدهما إلى الحياة كما كان يخطط وهو صغير، فاقنع نفسه بنفسه بأن الأمل “حرام” وبأن الجنة هناك ولن تكون يوماَ هنا..

 

رسام كريكاتير سوري | خاص قلم رصاص

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

مصلوبٌ على باب الرقة

(1) في بلدتي يأتيكَ بالأخبار بائعُ الأحلامِ  والمناجلِ وسكَّاراتُ البليخ والحطّابات وتُشنقُ الطفولةُ دون أنْ …