المرأة التي تعيش في البادية تطيق التعب وتتحمَّل المشاق، وهي تشاطر الرجال في كلِّ المتعب التي يلاقونها، وتتعلقُّ بزوجها كثيراَ، بخلاف الرجال، وهن اشدُّ تعلقاَ بالبداوة من الرجال، ومن الأحكام السائرة أنَّه إذا طلبت إحدى البنات لرجل من الحضر، فإنها تقول: “صكاك بابه، إني ما أريده” فهو جبان في نظرها لأنَّه يغلق باب الدار، وهو لا يليق بها.
البدويات عندهن (الزي) على نمط واحد لا يتغيَّر، فالبنات العذارى يقصصن الغرة ويبرزن شعورهنَّ إلى ما فوق الجبين، وإذا تزوَّجن أرخينها وسترن شعورهن بالمنديل، وهذه علامة فارقة بين البكر والثيب، والأردان المتسعة مستعملة في البادية، وكذلك الضيقة، فالنساء التي أوضاعهن جيدة، يلبسن الثوب الضيق الأردان ويرتدين فوقه كساء متَّسع الأردان ضافي الحواشي، وقد يلبسن العباءة والزبون، وتكثر من الحلي والحجول الكبيرة، يصفنها ذهباَ وفضة، ويعلقن الخزام المرصع بفصوص الفيروز الصغيرة في أنوفهن، ولهنَّ أقراط طويلة وعريضة، إنهنَّ يضعن الذهب والفضة عقوداَ وقلادات طويلة على ضروب شتى، ويكثرن فيها من النقود المضروبة القديمة كالغازي والمحمودي، ينظمنها صفوفاَ وتتدلَّى من العنق إلى الصدر.
والجمال فيهنَّ قليل في أكثر العشائر، وموجود في بعضها وقد يكون زائداَ عند الأقل، والحناء التي تصبغ بها الأكف والأصابع وأخمص اقدامهن، وقد يزججن الحواجب ويكحلن العيون بالأثمد، ولهن ولع خاص بالوشم، يحلين بالصبغة الزرقاء جلود أيديهن بنقوش مختلفة، من ظهر الكف لى الكوع، ويجعلن نقاطاَ صغيرة في منتصف الجبهة وطرف الأنف والذقن، وربما وشمن الشفاه السفلى والوجنات والصدر والنهود والأقدام.
الأخلاق حسنة، وخير ما يزينهن عزَّة النفس، وشدَّة التعلق بالأهل والزوج، وقيامهن بأعمالهم في أكثر الأحيان، ولا يقوم الرجال بأعمالهن إطلاقاَ، وعمله محصور على الغارات والغزوات أو على الأعمال الخارجية، والمرأة رفيقة له في كثير منها، وجميع ما بقي مفروض عليها بحيث لو انقطع مدَّة عن طلب الرزق فتتحوَّل فتكون هي ربَّة البيت، وقد يضربها أو يشتمها لأتفه الأسباب، إنَّ ينظر إليها في الغالب على أنَّها مطية للشهوة وهي للمتعة والخدمة وعليها الطاعة العمياء.
والنساء في البادية هنَّ أكثر عدداَ من الرجال، وهنَّ أين جانباَ وأرق طبعاَ، وهنَّ محترمات ومصونات من التعدي، ولا يجوز أن يمسسن بأذى مهما بلغت الخصومة بين العشائر، ومن حقِّ المرأة أن تذهب إلى العشيرة المعادية لعشيرتها وتتعرّف لجرحاهم وقتلاهم وتبلغهم ما أتت لأجله، وما هي طلبات عشيرتها ثمَّ ترجع إلى عشيرتها بسلام دون أن يتعرَّض لها أحد بسوء، وبناء على هذه الحرمة، فإنَّه لا يكتفى بالانتقام للمرأة إذا ما قتلت، فتودى بأربع إلى ثماني ديات بالنسبة إلى حال الجريمة.
وهي عفيفة تسير وحدها في البراري مسافات طويلة ولا أحد يعترضها أو يتعدَّى عليها، والذي يفعل ذلك يناله العقاب السابق، وحوادث الإجهاض كثيرة عندهنَّ، تؤتى بحركة خارجية عنيفة أو ببلع بعض الأعشاب التي أسرارها عند بعض العجائز، وتنشأ إما لستر جريمة أو لمنع ولادة التي لا تنقطع كلُّ 10 – 12 شهراَ.
والبدويات يتعبن كثيراَ، فبينما ترى الرَّجل تحت خيمته مضجعاَ يقصُّ على الناس أقاصيصه، ترى نساءه وبناته يشتغلن أشغالاَ كثيرة وشاقة، يجلبن الماء على ظهور الحمير، ويجمعن الحطب وينقلنه، ويأخذن المواشي إلى المرعى، ويخضضن السمن ويستخرجن الزبدة، ويطحنَّ الحبوب ويطبخن الطعام ويخبزن الخبز، وعندما يجدن وقتاَ يغزلن الشعر والصوف، وينسجن الخيام والفرش ويخطن الثياب، هذا فوق الحمل والوضع والإرضاع وهنَّ يقمن بكلِّ ذلك بدون ضجر.
قد يجيء الحامل المخاض وهي سائرة في الطريق، وليس من أحد حولها، فتقوم بنفسها بإنزال الوليد وتلفه وتقصُّ السرة، إنَّها تجري العملية كما القابلة، لكنَّ الأولاد معظمهم يهلكون قبل الخامسة من العمر، ولذلك تكون أجسام من يفلتون من الموت قوية تبعاَ لقاعدة البقاء للأنسب، والبدوية شريفة لها منزلة رفيعة في قلوب الجميع، وكثيراَ ما تجزم السيدات في أمور كثيرة مهمَّة مما يدل على أنَّ لكلمتهنَّ شأناَ خطيراَ.
البدويات سافرات، يتجولنَّ في البراري بكلِّ حرية، والسجوف التي توضع على الهودج لردِّ الشمس وأحياناَ المطر عنهنَّ، والضرورة في حياتهم تدعوهم إلى الاتصال الدائم والاختلاط بين الجنسين سواء في حلِّهم أو في ترحالهم، وفي الأفراح والأعراس يختلط القوم ويشتركون جميعاَ، وكذلك في الرزايا، كالغزو أو موت عزيز، وفي الجيرة وسكنى الخيام التي لا سبيل لحجبها أو تغطيتها، أمَّا تربية الأولاد فهم يحترمون الوالدين ويكرمون الشيوخ والكهول، ومن آدابهم أن لا يدخن الولد مام أبيه ولا يأكل أو يتكلم أو يعترض، إلا أن كثيراَ منهم لا يراعي هذه القواعد.
والمرأة في البادية لها عباءة وفروة مثل الرجال، ولكنها لا تستعملها إلا في الشتاء، إنَّها ترتدي على بدنها جلباباَ من القطن، يكون أسود اللون أو نيلياَ، طويل الذيل في الغالب، والفتيات يشددن منطقة غليظة من الصوف، تدعى(الشويحي) يلففنها فوق الثوب، والنساء يشددن الكمر الملون، وتلبس الفتيات (دراعة) جوخ زرقاء اللون أو سوداء قصيرة الكمين، ويضعن على رؤوسهن (المقرونة) من الحرير الأسود وأطرافها ملوَّنة وذات أهداب سود يجعلنها على شكل عمامة، وتدعى (العصبة) يلبسنها تحت الشمبر، وهو ضرب من المناديل الملوَّنة يضعنه في مؤخرة الرأس، وهنَّ يتمنطقن بكمر مطاط يضعن فيه نقودهنَّ.
وأكثر النساء يمشين حافيات، أمَّا في الشتاء فيلبسن حذاء كبيراَ يدعى (جزمة) من الجلد الأصفر أو الأحمر، وله من الأمام هدبات زرقاء ومتدلية، في نعله مسامير ضخمة، وهو لثقله فإنهنَّ يزحفن به زحفاَ، ويحدثن به قرقعة خاصة إذا مشين به في شوارع المدن، ولكلِّ امرأة مكحلة ومرآة، وحين العمل في الأشغال التي توسِّخ يلبسن قب أصفر، وهو كالثوب إلا أنَّ أكمامه أقصر، ثمَّ يسود ويتلوث بسرعة، وتخن النساء الغليون الذي يصنع من الطين. هذه حياة النساء والفتيات في البادية، كلُّها شظف ومعاناة، والرجل يجلس في الخيمة يحتسي القهوة، والأولاد يلعبون في الفلاة.
ـــ المراجع:
ـــ تاريخ حلب الطبيعي، الأخوين راسل، دار شعاع، حلب سورية 1999.
ـــ عشائر الشام: أحمد وصفي زكريا، دار الفكر، دمشق ورية، 1997.
مجلة قلم رصاص الثقافية رهان أخير على دور الفكر الحر والمسؤول في إعادة بناء الوعي واستعادة منظومة القيم، "على قلم وساق" من أجل ثقافة هدفها الإنسان.