الرئيسية » الرئيسية » رحلة البحث عن صلاح الدين الأيوبي (1)

رحلة البحث عن صلاح الدين الأيوبي (1)

حسام قصي شراباتي  |  حسام شراباتي - موقع قلم رصاص

الجزء الأول: أحوال العالم الإسلامي في القرن الحادي عشر الميلادي – قبيل الحروب الصليبية الإسلامية

في رحلة البحث عن سيرة صلاح الدين الأيوبي – يجب على الباحث ولزاماً عليه، أن يدرس أحوال العالم الإسلامي بشكل عام و أحوال الخلافتين “العباسية – الفاطمية”  بشكل خاص، لما لها من تأثير ولفهم الظروف التي أدت بروز “آل زنكي” و “آل أيوب” من بعدهم إلى واجهة الأحداث السياسية في تلك الفترة.

في القرن الحادي عشر الميلادي – كان الوهن قد ضرب أوصال العالم الإسلامي وكان “جناحه الشرقي” مقسماً إلى خلافتين “عباسية في بغداد – فاطمية في مصر” وولاء المسلمين كان موزعاً و مقسماً بينهما، وكلا الدولتين كانت قد أنهكتهما الحروب و النزاعات الداخلية حتى باتتا عاجزتان عن حماية حدودهما من الحملات الصليبية والبيزنطية اللتان كانتا تريان في ذلك العجز الفرصة الذهبية لتوسيع رقع ممالكهما.

ولم يكن “الجناح الغربي” من العالم الإسلامي في الأندلس بحالة أفضل، وذلك بسبب تفككه وتفتته إلى دويلات عرفت باسم “دول الطوائف” في الأندلس. ذلك الانهيار المحقق الذي كان ينتظر العالم الإسلامي بجناحيه الشرقي و الغربي أخر حدوثه ظهور المرابطين في المغرب العربي وأيضاً ظهور السلاجقة الأتراك في المشرق والذين هم محور و موضوع بحثنا.

السلاجقة الأتراك – عن طريقهم ظهر الأتابكة من “آل زنكي” الذين عن طريقهم أيضاً ظهرت ”العائلة  الأيوبية” إلى واجهة الأحداث السياسية.

السلاجقة هم مجموعة  القبائل “الغز التركية” تُنسب إلى “سلجوق بن دقاق” و إليه يعود فضل تجميع شملها و توحيد كلمتها، ومعه انتقلت من سهوب “تركستان” موطنها الأصلي إلى بلاد ما وراء النهر حيث اعتنقت الدين الإسلامي و استقرت بنواحي “سمرقند و بخارى” في أواخر القرن الرابع الهجري، و تعاونوا مع السامانيين لحماية الثغور الإسلامية – ثم ما لبثت أن توجهت جموعهم غرباً نحو “خراسان” بقيادة “طغرل بك” حفيد سلجوق واستولوا على “ مرو – نيسابور – بلخ – طبرستان – خوارزم – همذان والدنيور” كما استولوا على “أصبهان” التي اتخذها “طغرل بك” عاصمة له.

وفي الوقت التي كانت فيه جموع السلاجقة تنثال غرباً، كانت الدولة العباسية في قمة ضعفها وتسيطر عليها الأسرة “البويهية”، التي جعلت من سلطة الخليفة العباسي اسمية فقط، يضاف إلى ذلك حالة الحرب والنزاع المستمر التي تعيشها الدولة العباسية مع الحكم الفاطمي في مصر.

تلك الأهوال دفعت بالخليفة العباسي “القائم بأمر الله” إلى التطلع إلى الإستعانة ب “طغرل بك” و السلاجقة للتخلص من سيطرة الأسرة “البويهية”  على الحكم والذين كانوا قد طردوه من منصب الخلافة.

استجاب “طغرل بك” لدعوة الخليفة و دخل بغداد عام “1055” ميلادي وأعاده إلى سدة الخلافة بعد أن قضى على دولة “الملك الرحيم” آخر ملوك البويهيين. وبذلك أصبح السلاجقة أصحاب السلطة على بغداد – حيث اتخذ “طغرل بك” لقب سلطان و نُقش اسمه على العملة.

الخلافة الفاطمية في مصر و بسبب حالة الصراع والنزاع مع الدولة العباسية  قررت بدورها الرد على التغيير الحاصل و الذي أدى إلى إزاحة الأسرة البويهية الموالية لها، فأيدت التركي “البساسيري” ودعمته بالسلاح والمال فاستطاع التغلب على جيش العباسيين في “سنجار”، ومنها أخذ ينتظر الفرصة المناسبة للتوجه إلى بغداد ودخولها التي ما لبثت أن أتت عند خروج “طغرل بك” إلى شمال العراق ليقضي على تمرد حاصل هناك.

هاجم “البساسيري” بغداد و استولى عليها و أجبر الخليفة على إصدار عهد منه بعدم أحقية “بني عباس” في الخلافة و خطب للخليفة الفاطمي “المستنصر” على منابر بغداد.

ثورة “البساسيري” لم تدم طويلاً، لأنه سرعان ما عاد “طغرل بك” إلى بغداد ليقضي على تمرده و يعيد الخليفة “القائم بأمر الله” إلى الحكم، بعد هذا الانتصار زاد شأن أسرته بزواجه من ابنة الخليفة، إلا أن العمر لم يطل به كثيراً، إذ ما لبث أن توفي في العام التالي عن عمر يناهز السبعين عاماً.

تولى الحكم من بعده السلطان “عضد الدين ألب أرسلان” والذي استطاع أثناء فترة حكمه التي امتدت حوالي عشر سنوات من بسط سيطرته على حلب عام 1070 ميلادي. ومنها أرسل قائده “أتسز الخوارزمي” إلى فلسطين التي كانت تتبع حينها للفاطميين و استطاع السيطرة على الرملة و القدس و بعضاً من المدن المجاورة لهما. ثم توجه إلى دمشق وحاصرها وخرب ضواحيها وقطع الإمدادات عنها لكنه لم يستطع دخولها.

أما السلطان “ألب أرسلان” انطلق من حلب لمقابلة الإمبراطور البيزنطي “رومانوس ديوجينيس” الذي كان قد توغل في الأراضي الخاضعة للحكم الإسلامي حتى بلغ “ملاذكرد” التي عندها دارت معركة ضخمة بين الجيشين انتهت بانتصار قوات “ألب أرسلان” و أسر الإمبراطور البيزنطي عام 1071 ميلادي هذا الانتصار مهد الطريق أمام “ألب أرسلان” باتجاه أملاك البيزنطيين في أسيا الصغرى – حيث وجّه إليها ابن عمه “سليمان قلتمش” وأقام فيها دولة “السلاجقة الروم”.

“ألب أرسلان” قتل على يد أحد أتباعه في بلاد ما وراء النهر عام 1073 ميلادي عن عمر يناهز الأربعين عاماً و كان قد أوصى بالملك من بعده لولده “ملكشاه” الذي في عهده استطاع القائد “إتسز الخوارزمي” من الاستيلاء على دمشق  ثم عين “ملكشاه” أخاه “تتش” ملكاً على بلاد الشام وجعل الحكم وراثياً في عائلته و بذلك تكون قد أقيمت دولة أخرى للسلاجقة “سلاجقة الشام” و التي كانت تقف في وجه التقدم الفاطمي نحو بلاد الشام.

يعتبر “ملكشاه” آخر سلاطين السلاجقة الأقوياء، وكانت وفاته إيذاناً بتفتت إمبراطورية السلاجقة التي قُسمت على أولاده الأربعة من بعده الذين تنافسوا فيما بينهم ومن بعدهم أولادهم للسيطرة على الخليفة العباسي لأن من يسيطر عليه يتخذ لنفسه لقب “سلطان”.

أيضاً، كان من أبرز مظاهر انحلال دولة السلاجقة، إضافة إلى التفكك الأسري الحاصل، هو استقلال عدد كبير من قادتها الذين اصطُلح تسميتهم “الأتابكة” وهي جمع كلمة “أتابك” المؤلفة من مقطعين، “أتا” بمعنى “أب” و “بك” بمعنى “السيد” ليصبح معناها كاملاً ” السيد الذي يربي أولاد الملوك”.

وما لبث أن أصبح هذا اللقب تشريفاً يمنح لكبار القادة بمعنى  قادة الجيوش، وقد أطُلق على الدول التي أسسوها “الأتابكيات” وهي كثيرة ومتعددة و لا يمكن إرجاع نسبها إلى نسب واحد بعينه، إلا أن ما يجمعها كان صفة المملوكية واتصالها بالبيت السلجوقي والنظام الإقطاعي الإسلامي.

ومن أهم هذه الأتابكيات – كانت أتابكية الموصل التي أسسها “عماد الدين زنكي” وعن طريق آل زنكي كما ذكرنا سابقاً ظهر “الأيوبيون” حيث لعب هؤلاء وأولئك دورهم على مسرح الحوادث السياسية  في الشرق الأدنى للعالم الإسلامي – وهذا ما سنتطرق إليه في الجزء الثاني من هذه المقالة.

 

مصادر :
زبدة الحلب في تاريخ حلب – ابن عديم
النوادر السلطانية و المحاسن اليوسفية – ابن شداد
الفتح القسي في الفتح القدسي – العماد الأصفهاني
البداية و النهاية – ابن كثير
الكامل في التاريخ – ابن اثير
المنتظم في تاريخ الملوك و الأمم – ابن الجوزي البغدادي

 

 كاتب و مخرج سينمائي | خاص موقع قلم رصاص 

 

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

مصلوبٌ على باب الرقة

(1) في بلدتي يأتيكَ بالأخبار بائعُ الأحلامِ  والمناجلِ وسكَّاراتُ البليخ والحطّابات وتُشنقُ الطفولةُ دون أنْ …