نحن ضحايا…
ضحايا الغربة، الوطن، الماضي، الحاضر، المستقبل، اليأس، الأمل، التفاؤل، التشاؤم، الأحلام، الأوهام، الأيديولوجيات، التكنولوجيا، التخلف، التطور، التقدمية، الخوف، الأمن، الاستعمار، الاستقلال، الرجعية، الاستبداد، التحرر، الأنظمة، المعارضات، الصدق، الكذب، الغرور، التواضع، الزهد، الطمع، التملق، الطموح، الإعلام، ضحايا أنفسنا، ضحايا…إلخ، وفي نهاية المطاف ستزول جميع الإضافات، وسنبقى ضحايا حاف فقط!
يا صديقي كل منَّا ضحية بشكل أو بآخر، ويمكن لكل واحد أن يختار الإضافة التي تناسب المذبح الذي نحر عليه، سواء مشى إليه بقدمتين ثابتتين أو دفع إليه دفعاً. ففي هذا العالم المجنون لا يمكن لك إلا أن تكون ضحية لشيء ما، أياً يكن هذا الشيء، ومهما حاولت النجاة ستكون ضحية إن لم يكن بالأمس ربما اليوم وإن لم يكن اليوم فغداً أو بعده على أبعد تقدير. ضحية للنجاة!
وأنت تفكر كيف صرت ضحية، ستجد أنك صرت ضحية للسؤال، تجتره بحثاً عن إجابة تشعرك بشيء من الطمأنينة، وتقنع نفسك أخيراً أنك لست ضحية، دون أن تدرك أنك بهذا صرت ضحية للوهم، لذا عبثاً تحاول، وإن استسلمت وتوقفت عن التفكير ستكون ضحية للاستسلام، ألا ترى لقد أخبرتك منذ البداية أننا ضحايا، وأنا أكتب لك كنت ضحية للفكرة التي طرقت رأسي وحاولت الهروب منها ثم شعرت أنني ضحية للهروب، فقررت المواجهة وأصررت على المتابعة وحين وصلت إلى هنا أدركت أنني صرت ضحية للمواجهة، فوقفت حائراً هل أكمل ما بدأته أم أتراجع فأصير ضحية للتراجع، أم أتوقف حيث وصلت وأغدو ضحية للتردد، وهذه حالك وأنت تقرأني، فأنت الآن هنا عند هذه الفاصلة الحمراء، هل تتوقف عن القراءة وتمنعني من العبث بدماغك وتصير ضحية للتوقف، أم تتابع حتى ترى آخرتها معي وتصير ضحية لي. الحقيقة لا أدري ماذا ستفعل وأكذب عليك إن أخبرتك أني أعرف ما سأقوله في السطر التالي، أنا فقط أحاول التفكير على الورق، اوووه الورق نسيناه، ولست أدري ما تسمى الكتابة المباشرة على الحاسوب، ليس!
أنا الآن التقط أنفاسي من بين الكلمات وازدحام الأفكار المجنونة في دماغي، وأفكر ماذا فعلت بنفسي وكيف تورطت بالكتابة قبل قرابة عقدين من الزمن، نعم هي ورطة، كتابة الأفكار ورطة كبيرة ما زلت أدفع ثمنها وفوائدها كأي قرض بنكي، فوائد!!! كيف سُميت بهذا الاسم، هي مضار بالنسبة للمقترض الذي يرددها “فوائد” وهي بالنسبة له مضار، في أحسن الأحوال كان يجدر بهم تسميتها زوائد بدل فوائد، انظر أين ذهبت بي أفكاري وأنت تلاحقني كما تطاردني هي، تخيل معي أن يكتب المرء كل ما يفكر به، ستكون كارثة، و”الأكرث” منها ألا يكتب كل ما يفكر به، كي لا يكون ضحية لأفكاره، هل ترى معي أننا في دوامة ولا ندري كيف سنخرج منها.
ـ اسمع، نعم اسمعني لأني أتحدث إليك، وأشعر بالمسئولية تجاهك لأني ورطتك بارتكاب قراءة أفكاري عن سبق إصرار وتصميم، ويجب علي إخراجنا مما أنا وأنت فيه بعد أن وصلنا إلى هنا، سأتوقف عن إتمام ما بدأته رأفة بك وبذلك أكون ضحية لك، وبالتالي لا تلام أنت إن توقفت عن القراءة لأنه لم يعد هناك ما تقرأه والتتمة فراغ، وبالتالي تكون ضحية لي، وهكذا نكون لا غالب ولا مغلوب، موافق؟
ـ لا، لا يمكنك أن تفعل ذلك بي بعد كل الذي قلته، إن أردت أن تظل ضحية فهذا شأنك، أما أنا فلن أكون، ولن أتوقف عن القراءة، وإن لم أجد لك شيئاً اليوم فسأرجع إلى ما كتبته بالأمس، وحين انتهي سأقرأ ما ستكتبه غداً.
ـ إذن ستصير ضحية للماضي، أو المستقبل!
ـ ماذا تفعل بي بحق الكلمة، أشعر أنني مقيد.
ـ أخبرتك منذ البداية أننا ضحايا. اعترف بذلك لنتوقف هنا.
ـ حتى لو اعترفت ما الفائدة، سيخبرني شيطانك الذي انتقل إلى رأسي أنني صرت ضحية للاعتراف.
ـ اسمع مرة أخرى، سأفتيها لك، لا مشكلة أن تكون ضحية، لكن المشكلة إصرارك على أنك لست كذلك. ..تصبح على خير.
ـ مهلاً، توقف. لا تتركني هنا. أرجووووك. تباً لك!
مجلة قلم رصاص الثقافية