آخر المقالات
الرئيسية » ممحاة » الحذف المُشتهى

الحذف المُشتهى

يثير الإستياء ما نراه في مدونات اليوميات الإفتراضية، سهولة النشر، التماس العشوائي مع القراء، ما يحفز على الصمت والترقب؟ لو انتهى الإنترنت وإختفت  الشبكة بضعة أيام عن الإتصال، وجاء قراصنة وحذفوا بيانات “الشعراء” عن صفحاتهم دفعة واحدة، ترى ما الذي سيحدث؟

ها هي لعبة التوثيق الذاتي والترتيب البطيء لتفاصيل الكتابة تفرض لازمتها كأداة مساعدة على الخلق، نكتب، نجرب إيقاع النص، نحذف، نعيد المحاولة حتى تنضج، أليس الكتابة محاولة خلق في الخيال واللغة والصور والتداعيات؟ ربما على الجيل التمهل قليلاً في الإنسياق إلى الحالة القطيعية لقياس رختر التوتر الأدبي الذي يغذيه سيل التملق والتصفيق المجاني.

لعنة (الهاشتاغ) تلاحق الرغبة في الإنتشار،  ثمة من يريد أن يصل صوته ولو لأناس من أوهام. أن يأتي (الإعجاب) على المنشور هو المشتهى، أمّا العرس المطلق فهو حين يرى أحدهم (نصه) و قد (شارك) به رفيق إفتراضي..! زحام عابق بالتكرار وانعدام الخصوصية، وجيلٌ يسبح في وصولٍ هش، الأرجح أنه سوف ينجب منتجاً مهجّناً من خلائط ما يقرأ على جدران عابرة تسابق بعضها في إلتهام الهراء والرنات اللغوية التقليدية والإقتباسات السطحية المتشابهة.

إن مقدار الحذف الذي يقوي من متن النصوص هو ما يفتقده الجيل، الجميع ينتظر الإطراء، الجميع يحلم بالوصول السريع، ولكنهم لا يدركون أي سقوط ينتظر هذا البناء المتبادل مع قارئ عابر ونص سريع ومحاولات منحولة. الحذف يقترح الجديد دائما والمختلف، والضفة المغلقة على طرفيها لا تدع الماء يجري ويتبدل بين حين وآخر، فالطلاسم والكنايات والمجازات الخشبية تحاصرها.

رفقاً بالتاريخ والتجربة، ولنتوقف عن هزّ الرؤوس للقطع اللغوية المدهشة التي تمر بلا توثيق أو مقاربة تحلّل مدى خصوصيتها وسحرها، فهي ربما وليدة اللحظة لكنها قطعة وحسب، ولن تدوم ما لم تجتمع على الورق مع أخواتها لتكون نافذة على الغريب والجديد في عالم طافح بالخيبات والتكرار. دعونا نحذف ثم نكتب… هكذا!

خاص موقع قلم رصاص

عن عمر الشيخ

عمر الشيخ
شاعر وصحافي سوري. يعيش في قبرص. أصدر ثلاث كتب شعرية، وعمل في إعداد البرامج التلفزيونية والإذاعية والتوثيقية في سورية. يكتب في الشؤون الثقافية لعدد من الصحف والمواقع الإلكترونية العربية.

شاهد أيضاً

مصلوبٌ على باب الرقة

(1) في بلدتي يأتيكَ بالأخبار بائعُ الأحلامِ  والمناجلِ وسكَّاراتُ البليخ والحطّابات وتُشنقُ الطفولةُ دون أنْ …