آخر المقالات
الرئيسية » رصاصة الرحمة » عصر المجتمعات

عصر المجتمعات

كما في كل مرة، لم ينتبه فرسان الكلمة والقلم، من محللي الفضائيات ومعلقي المطبوعات، بمناسبة الحادث الجلل، الذي انتاب “الأمة” الإنكليزية، بخروجها من الإتحاد الأوربي، (وليس الإتحاد السوفييتي على أية حال)، إننا في عصر المجتمعات، على الرغم من إنفتاح هذه الكرة الأرضية على دنياها، وعلى الرغم من الإرتقاءات المذهلة لتكنولوجيات الإتصال والعولمة، وعلى الرغم من كل القوارب المطاطية والسفن المستهلكة التي تنقل اللاجئيين الى أي شط، شرط ألا يكون وطنهم، لم ينتبهوا بتاتا أننا لما نزل نعيش  عصر المجتمعات، وهي الصفة التي قد لا تقارب ذهنياتهم بتحليل أو تركيب، أو بأية عملية معرفية أخرى، فقد اطمأنوا أن اللغة قد أبلغتهم بفرمانها السامي، أنهم أولاد… مجتمع!

خروج إنكليزيا من الإتحاد الأوربي بقرار مجتمعي، لم يعن لأحد أن المجتمع انشرخ على ذاته، فالمجتمع هو وحدة مصالح تجري في الزمن، لا أحد يستطيع المزاودة على أحد، وإلا لتحول المجتمع الإنكليزي (وحسب النتائج الرقمية للإستفتاء)الى نصف من الخونة والنصف الآخر من البلهاء، أو من المغرر بهم، حسب التعريف الطليعي “للجماهير “، حيث يتحول هؤلاء الطليعيون من فرسان القلم والكلمة الى فاقدي الشيء.

قد يبدو هذا الكلام فاقداً للمناسبة، أو قد تبدو الفكرة التي من ورائه غير واضحة… ولكن المسألة بسيطة، فلا دخول أو خروج من والى الإتحاد الأوروبي أو غيره (وليس الإتحاد السوفيتي على أية حال)، إلا للمجتمعات، وبالمعنى الحداثي تحديداً وبالضرورة، ومن هنا تبدو جل المقالات والتحليلات التي كتبت بمناسبة هذ الحادث الجلل، وكأنها تصف الحياة على المريخ، فمن يعتقد أن المجتمع هو مجرد تصريف لغوي لمفردة (جمع)، لا يستطيع الإحاطة، أو التحليل بعملية إجتماعية، حتى لو كان من نخبة الإختصاصين، فما ينقصهم هو رؤيتهم للمجتمع بمعناه الدنيوي المعاصر.

لا لن تتشقق إنكليزيا، ولن تنهار، ولن تزعل منهم (مركل) حتى،ولن ينام بلا عشاء تأثراً بموقف (مركل)، فللمجتمع بمعناه هذا، آليات و أدوات وضروب تجعل من المسألة برمتها سياقاً في نسق التطور والإرتقاء، بغض النظر عن رأينا الأخلاقوي به.

المجتمع هو وحدة مصالح أعضائه، تظهره وتؤطره وتضبط إيقاعه تكنولوجيات الأجتماع البشري المحدثة، وليس اللغة أو الدين أو الآلام والآمال المشتركة، وهو ما استدعى شن هؤلاء (فرسان القلم والكلمة) الهجمات على “القومجية”!!!،من خلال فهمهم التراثوي الشفهي لمفهوم المجتمع، وهو فهم يودي على جاري العادة الى تبني الأنموذج المعاكس تماما، أي تعريف الذات بأنها عكس النموذج المضاد (الآخر) فقط. لن يستطيع هؤلاء تحليل ونقد حدث إنفصال إنكليزيا عن الإتحاد الأوربي، لا لشيء، فقط لإنهم لا يقاربون معرفياً معنى المجتمع في العصر الحديث.

قد أكون دحرجت تهمة كبرى يعيبها التعميم القتال، ولكننا جميعاً لسنا أبناء مجتمعات هذا العصر، لا في الواقع، ولا بالفعل التفكيري،وقد أكون جائراً أو مخطئاً إذ أقول، إننا سكان بلاد مجرد بلاد لم نستطع تحويلها الى أوطان… أي مجتمعات، فلتصححوا لي.

مجلة قلم رصاص الثقافية

عن نجيب نصير

نجيب نصير
كاتب وسيناريست سوري عريق، كتب العديد من المسلسلات السورية التي لاقت إقبالاً كبيراً، تمتاز أعماله بطابع خاص، ومن أبرزها: نساء صغيرات، أسرار المدينة، الانتظار، تشيللو، فوضى، أيامنا الحلوة، وغيرها.

شاهد أيضاً

مصلوبٌ على باب الرقة

(1) في بلدتي يأتيكَ بالأخبار بائعُ الأحلامِ  والمناجلِ وسكَّاراتُ البليخ والحطّابات وتُشنقُ الطفولةُ دون أنْ …