آخر المقالات
الرئيسية » ألوان خشبية » مسرحية “تكرار”: الوقوع في المعاصرة!

مسرحية “تكرار”: الوقوع في المعاصرة!

دمشق | قلم رصاص

كلّنا يعلم حجم الجهد والجلَد الذين يتطلّبهما الاستمرار في قسم التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، وأنا بدوري كنت ذات يوم في هذا المكان أرى وأعرف جيداً ما يقدّمه طلّاب هذا القسم من وقت للأداء والاطلّاع والمطالعة، لتقديم أدّق وأصغر التفاصيل بأعلى وأكثر حرفيّة ممكنة لأي نوع مسرحي كان؛ بالرغم من أنّ تفاوت المستوى بين طالب وآخر في الأداء يأخذ نصيبه الكافي من الانتقاد اللاذع – من مختّصين وغير مختّصين- في كل عرض من عروض التخرّج، لكن الأداء هنا محكوم بنوعيّة النص المقدّم، والطريقة التي قُدِّم فيها العرض، و طريقة الإخراج، ولا ننسى أن من الصعب إيجاد نص مسرحي بإمكانه أن يقدّم مجموع الممثلين بنفس السويّة المطلوبة، وإذا لم يتح ذلك فتدخل العناصر الأخرى كالإخراج وإعداد النص لتقديم وإيجاد صيغة ممكنة لصناعة عرض يقدّم الطلاب على أحسن وجه، طبعا هذا – في رأيي- ما وجدناه منذ ثلاث سنوات في عرض تخرج “الكوميديا السوداء” لـ بيتر شافر من إخراج بسام كوسا، الذي أخرج أيضاً عرضاً جديداً لدفعة تخرج من طلاب التمثيل حالياً بعنوان “تكرار” إنطلاقاً واقتباساً من نص موليير “المتحذلقات السخيفات” (1659) دراماتورجيا: شادي كيوان، صالة سعد الله ونوس – المعهد العالي للفنون المسرحية.  

من مسرحية (تكرار) (1)

وكما أي عرض كلاسيكي، بدأ هذا العرض، قبل أن يُرفع الستار نرى الخادمين “مسكاري” الممثل بلال مارتيني و”جودليه” الممثل معن رافع، يدور حوار بينهما نفهم من خلاله موضعهما في العرض دون أن يظهرا في المشهد الأول، وأن هناك لعبة ستدور لإيقاع بشخصيات المتحذلقتين، ثم يُرفع الستار على الممثلين الذين يُكشَف الستار عنهم  أيضًا بمرافقة مونولوج تؤديه الممثلة: فرح الدبيات، والذي يوحي – بطريقة غير مُتعِبة للمتلّقي- ما سنراه على الخشبة بعد قليل، كما يشرح بسلاسة ووضوح العنوان “تكرار”.

يبدأ المشهد الأول بالنص نفسه “المتحذلقات السخيفات” حيث القصة في قصر “السيد جورجيه” الذي يلعب دوره الممثل مجدي المقبل، والذي يتقدّم لخطبة ابنتيه مادلون و كاتوس (الممثلتين: سهير صالح- لمى بدور) كل من لاجرنج وكروازي )الممثلين أديب رزوق- مروان خلوف).

الفتاتان المتحذلقتان ترفضان الخطيبين لأسباب يراها محدثي النعمة -كعائلة السيد جورجيه- هامّة وكافية للرفض، والتي غالبا تتعلّق في المظاهر، فيقرر الشابان أن يلقنا الفتاتين درساً، وهو بإرسال الخدم نيابة عنهما لخطبتهما باعتبار الخادمين مسكاري وجودليه، هما الشابين من طبقة النبلاء، طبعا هذا الدرس لا نراه في المشهد الأوّل بل ينتهي مع نهاية القصة التي تتكرّر نفسها في القرن السابع عشر في فرنسا، إلى بداية القرن العشرين في دمشق، إلى يومنا هذا أيضا، برؤيّة دراماتورجيّة لإسقاط ما كتب موليير على زمانين مختلفين في دمشق.

المشهد الثاني نستمر في نفس الموضوع لكن ضمن بيئة دمشقيّة، في منزل دمشقي، لعائلة برجوازيّة، نرى ذات الشخصيات التي مرّت في المشهد السابق، ويحافظ كل من الممثلين على دوره، لكن المفاجأة أن ما جرى في هذا المشهد هو مجرد تقليد لقصة موليير، لأن الحكاية التي جرت على الخشبة وهي (السعي وراء الزواج) هي عماد كل أنواع الفن الذي يحكي عن أو من خلال البيئة الشاميّة، وهذا ما يختلف – بشكل ملفت- مع قصة المسرحيّة أو ما يريده موليير، وهو تعريّة المظاهر الخدّاعة للغنى والترف، والسخريّة من منطق الزيف من خلال إسقاط الادعاء عن طريق لعبة تمّت  في النص ذاته، وهذا – برأيي- نقلة قلّلت من الجماليّة اللافتة التي بدأ بها العرض على الصعيد البصري (الديكور)، وعلى صعيد الأداء، الذي أخفض من حضور البعض الممثلين، في حين برز البعض الآخر بحضور كوميدي قوي، حتى الصبغة الكوميديّة التي بدأ بها العرض تراجعت إلى الشيء الذي نهرب منه إلى المسرح في الشاشات الصغيرة وهو: دراما البيئة الدمشقيّة، للأسف، بالرغم من أنّ أداء الممثلين كان أكثر من جيّد، لكن نوع “النكتة” التي استخدمها الممثلون لم تخدم النص، ولم تحافظ على السويّة الكوميديّة التي بدأ بها، وهذا يرجع لسوء فهم النص أولا وعدم التمكّن من الإعداد ثانياً، فعلى سبيل المثال لا المقارنة، نجاح عروض التخرّج السابقة من بينها “الكوميديا السوداء”، هو التمكّن من إعداد النص وفهمه بما يتطلّب هو، وليس بما تتطلّب البيئة، بمعنى أوضح الممثل والمخرج ذهبا إلى النص ولم يحاولا جلب النص إليهما.من مسرحية (تكرار) (2)

المشهد الثالث الذي يُعَد معاصراً والذي يكمل ما شاهدناه في المشهدين الأول والثاني لعائلة غنيّة في وقتنا الحاضر في دمشق؛ حمل هذا المشهد ما هو كافٍ من الترميز الكلامي الضروري وغير الضروري، والمكرر بشكل ملفت، لتوضيح التفاهة والترف المبتذل الذي تتمتع بهما هذه العائلة بجدارة، فبعد أن تكرر ما تكرر من الكلام وفعلت الشخصيات ما فعلت من أفعال مبالغ بها إلى حد ما، أوصلنا المخرج إلى نتيجة تربويّة توجيهيّة غير ضروريّة وغير موجودة في النص بهذا الشكل المباشر.

وأخيراً أهم ما لاحظناه في هذا العرض هو طريقة تقديم الشخصيات التي أخذت في بعض الأحيان شكل الأنماط، والتي اشتُغِلت بإتقان استطاع أن يوصل لنا الابتسامة بطريقة أو بأخرى، والجدير بالذكر  هي الشخصيّة “مسكاري” (الممثل بلال مارتيني) التي كانت من المجدي الاشتغال عليها أكثر عبر المراحل الثلاثة لتكون حاملة للعرض حيث أنّ موليير أعطى لهذه الشخصيّة المساحة وكأنّها قائد اللعبة في النص، لكن للأسف لم تلقَ من الاهتمام الدراماتورجي الكثير.

إنّ بعض ممّن شاهدوا العرض خرجوا مستمتعين، فأعتقد أن التقيّد بأصول الصّنعة المسرحيّة غير مطلوب في هذه الحالة.

خاص موقع قلم رصاص

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

مصلوبٌ على باب الرقة

(1) في بلدتي يأتيكَ بالأخبار بائعُ الأحلامِ  والمناجلِ وسكَّاراتُ البليخ والحطّابات وتُشنقُ الطفولةُ دون أنْ …