آخر المقالات
الرئيسية » رصاص خشن » قصة قصيرة: موت محتمل  

قصة قصيرة: موت محتمل  

حسان أحمد شكاط  |أحمد شكاط - موقع قلم رصاص   

كان يقطع الشوارع بخطى متثاقلة..يلتفت في كل الاتجاهات كمن ينتظر خطراً محتوماً.. يتحسس من حين لآخر مسدسه ..ذاك الذي لم يسبق له وأن استعمله يوماً بل هو يشك في القدرة على استعماله.

راح يسترجع في خياله صورة زميله وصديقه “عصام” التي نشرت على كل صحف البلاد وهو غارق في دمائه بعد تلقيه لوابل من الرصاص أودى بحياته.

الآن ينتابه شعور قوي بدنو أجله..فالموت بالنسبة إليه أمر مؤكد خاصة بعد اغتيال صديقه وزميله في الوظيفة، قضى أياماً عدة لا يبارح منزله الواقع في الحي الشعبي..وها هو الآن يغادره متوجهاً الى مقر الصحيفة التي يعمل لها بعد أن تحصل على مسدس مرخص لحماية نفسه..راح يتمتم قائلا لنفسه..

-“مسدس ..وهل أنا أقوى على أن أقتل فأراً..”

استعاد في مخيلته صورة ولده الصغير.”آدم” وهو يسأله بفضول عن مهنته..ارتبك وتردد في البداية..قبل أن يبوح في جل كمن ارتكب جرماً ما..

– وظيفتي..صحفي..صحفي..

وتوسل لولده أن لا يبوح لأحد بسره المميت..فلاحظ نظرات الدهشة والاستغراب على ملامح صغيره الذي لا يعي شيئاً مما يقوله له..وتأثر لمنظر زوجته وهي تستسلم لبكاء شرس فربت على كتفها قبل أن يقول:

-لا..لا ـ لست مجنوناً..

حدقت اليه في شفقة وردت عليه.

– إنما أنا أبكي لحالك..فالخوف يلاحقك باستمرار..

قام سريعاً من أمامها قبل أن يشاركها في بكائها وانزوى في غرفته..

راح يخاطب نفسه..

– “فعلاً..الخوف بات يلاحقك أينما ذهبت..الموت بات هاجساً بالنسبة لك.. كيف الخلاص؟ كيف الخلاص؟ فإما أن تواجه الموت وإما أن تهرب منه..ولربما الهروب أفظع من المواجهة..”

انقطع حبل خواطره بعد سماعه لدوي انفجار عنيف غير بعيد عنه..فلم يدري بنفسه إلا وهو يرتمي بجسده خلف إحدى السيارات وراح يتحسس مسدسه في رعب..

ولم يتمكن بعد ذلك الموقف من إخفاء الإحراج الذي وقع فيه..فالانفجار كان ناجماً عن إطار سيارة. ولاحظ نظرات المارة المندهشين من تصرفه..سارع بالوقوف من دون أن يرفع بصره عن الأرض..وواصل سيره بخطى رشيقة. اقترب من مقر الصحيفة فتسمر مكانه لبرهة من الزمن..

-..”ماعساني أكتب اليوم ..عن أي موضوع..أكتب عن آخر مجزرة..عن المختلسين والانتهازيين والمضاربين في الأسعار..عن تجار السموم..أو أكتفي برثاء صديقي عصام..أوف..حتى الرثاء قد يجلب لي الموت..أي كلمة أتفوه بها قد تعني الموت”.

سكنته فجأة شحنة من الحماس جعلته يندفع الى الأمام في عزم وثقة..

-..ليكن ..سأرتمي في أحضان المجهول..سأواجه الموت..

خفف من سرعته حين سماعه لوقع خطوات من خلفه.. لم يتجرأ على الالتفاف لكنه قطع الطريق ليتأكد بأن صاحب الخطوات يطارده..وضع يده على المسدس..تلى الشهادتين وقال لنفسه.

-..لا فائدة..سألتفت…وأواجهه.

كاتب وروائي جزائري  | خاص موقع قلم رصاص

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

مصلوبٌ على باب الرقة

(1) في بلدتي يأتيكَ بالأخبار بائعُ الأحلامِ  والمناجلِ وسكَّاراتُ البليخ والحطّابات وتُشنقُ الطفولةُ دون أنْ …