آخر المقالات
الرئيسية » رصاص حي » “الفودو” ديانة للفرح وليست للسحر

“الفودو” ديانة للفرح وليست للسحر

نضال بشارة  |  

قد يقودك رابط ما وأنت تتصفح مقالة في صحيفة، مرفقة بشريط مصور، أو وأنت تتصفح صفحة أحد أصدقائك على “فيسبوك” بعد أن تشاهد الشريط المصور لأغنية ما أو لمضمون ترفيهي، قد يقودك إلى موقع “يوتيوب” الذي كما هو معروف يعرض شرائط عدة، وقد يغريك بعضها بالمشاهدة، أو تحجم عن ذلك. فمحتوى هذا الموقع متنوع جداً كما تعرفون ويلبي رغبات معظم المتصفحين، لكن هذا المحتوى تشوبه شوائب عدة، ليس أولها شرائط “البورنو” ناهيك عن بعض الشرائط التي تروّج لمعلومات خطأ، خصوصاً في الناحية الصحية، فالإرشادات الطبية كثيرة وأزعم أن جزءاً لا بأس به منها غير دقيق وغير علمي وقد تؤذي صحة من يأخذ بها. وأشرطة منها تجعلك تنفي المقولة الشائعة أنك من شبكة الإنترنت تحصل على المعرفة التي تريد ولا حاجة بك لقراءة الكتب.

فضلاً عن عدم تبويبها وفق نوع محتواها. ومن تلك الأشرطة غير الإنسانية شريط مفاده تحذير النساء ربات البيوت من الخادمات، وكأن هذه الشريحة الاجتماعية المغلوب على أمرها هي من اخترع الإجرام والقتل. فثمة شريط يعرض صوراً ثابتة لامرأة ويحذّر من الوثوق من الخادمات، ثم تشير كتابة على الشاشة إلى ما فعلته ربة المنزل الثرية، في دولة الإمارات العربية، عندما بدأت تشك بسلوك زوجها تجاه الخادمة، من معاملة حسنة وإغداق المكافآت 

عليها، فدفعها شكها هذا لوضع كاميرا في غرفة الخادمة لتكتشف أن هذه الخادمة من أتباع ديانة “الفودو” وهي تمارس السحر الأسود، وهو سحر معروف في جنوب أفريقيا، يموت الضحية خلال 40 يوماً. وهذا ما دفع ربة المنزل  إلى تفتيش غرفة الخادمة فوجدت أنها أقامت السحر لخراب علاقة ربة المنزل بزوجها ولأبنائها بالجنون، كما عملت الخادمة سحراً بالمحبة للزوج، ما دفع هذه السيدة وزوجها إلى إجبار الخادمة على فك السحر فوراً، ومن ثم قاموا بتسليمها للشرطة. وثمة جملة أخيرة تظهر تنصح سيدات البيوت بمراقبة الخادمة الخاصة أو عدم إدخال أية خادمة للبيت غير موثوق بها.

وأول ما يستوقف المرء وهو يقرأ تلك الجمل عند التناقض الذي جاء، فهل سحر ” الفودو” يميت خلال 40 يوماً أم يفسخ العلاقة بين زوجين، ويصيب الأبناء بالجنون؟! ثم كيف استطاعت ربة المنزل معرفة ديانة “الفودو” التي لا يلم بها غير الاختصاصيين بالميثولوجيا؟ وبالتالي كيف عرفت أن تلك الخادمة قد أقامت ما قمنا الإشارة إليه من سحر، وكيف تأكدت من أن تلك المرأة قد فكت السحر عندما أجبرتها على ذلك؟! وأكثر ما استوقفتنا الإهانة الموجهة لشريحة النساء اللواتي تدفعهن ظروفهن للعمل في بيوت الأثرياء، بخاصة أن ديانة “الفودو” ليست كذلك وإن تضمنت سحراً لكن لا يستطيع أن يقوم به إلاّ الكاهن وليس أي شخص يدين بـ ” الفودو “.

ولرفع الحيف عن شريحة النساء التي توجه لها هذا الشريط بالإهانة سنقدّم صورة موجزة عن هذه الديانة، لنظهر دجل هذا الشريط وبعده عن حقيقة السحر الأسود، ولذلك نقتطف من كتاب ” الميثولوجيا العالمية ” للناقد حنا عبود، إصدار اتحاد الكتاب العرب، دمشق 2009. يقول المؤلف “عبود” تتمتع هاييتي بميثولوجيا لا تعرف القرابين البشرية، أي لا تعرف الدم، وانطلاق هذه الميثولوجيا في زمن كانت كل البلاد التي حول هاييتي تعتمد الميثولوجيا فيها على القرابين البشرية.

وأشار المؤلف إلى أن هذه الميثولوجيا انتشرت من هذه البؤرة إلى جزر الأنتيل وإلى الكاريبي كله، وانتشرت في كثير من بلدان أميركا الجنوبية، وفي بعض الولايات الأميركية الشمالية أيضاً، وأصبحت ديانة “الفودو” بذلك الانتشار، الأكثر رواجاً والمعتقد الشعبي الذي يمارسه سكان تلك المناطق. وهي ديانة متسامحة، لا تعرف العنف الموجود عند المايا والأزتيك والإنكا. فالفودو، ديانة التكفير الروحي، والفرق بينها وبين الديانات المنتشرة في الغرب أن هذه الديانات تنادي بالضبط الذاتي وبقمع الذات وبالسيطرة الذاتية على النزاعات للخلاص من الخطيئة، بينما “الفودو” ترى أن الخلاص من الخطيئة بالانخراط في الاحتفالات الاجتماعية والقرابين الحيوانية والرقص  والمهرجانات وفي احترام قوى الطبيعة أو اللجوء إليها لتجديد النشاط. وهي بهذا ديانة للفرح والسلام.   

وعن أصل ديانة ” الفودو ” جاء في كتاب عبود، أن سكان هاييتي قد تنوعوا بعد أن جعلها كريستوف كولومبوس مركزاً كبيراً له عندما كشف غناها بمناجم الذهب، وهي الثروة الوحيدة التي تمتعت بها هاييتي، فبسبب استغلال كولومبوس لثروات مناجم الذهب أجبر السكان الأصليين على العمل مقابل طعام قليل وغير غني بالقيمة الغذائية فأدى هذا إلى وفاة قسم كبير من السكان وإلى هجرة القسم الآخر. فعمد كولومبوس إلى استيراد العنصر البشري من إفريقيا، من المنطقة التي كانت تسمى (داهومي) وهي البلاد التي تسمى اليوم بينين ونيجيريا وتوغو، واستخدمهم للعمل في مناجم الذهب.

 ويرجح عبود وجهة النظر التي ترى أن هذا العنصر البشري قد حمل معه معتقدات العبيد الإفريقيين من داهومي ولتمتزج مع المعتقدات الكاثوليكية التي جاء بها كولومبوس والإسبان، ومع الأيام تشكل من هذا الاختلاط أو الامتزاج دين أطلقوا عليه اسم ” الفودو”، وخلاصته أنه يجمع رباً واحداً مع الكثير من الأرواح. ونشير أخيراً إلى ضرورة عدم الوثوق بكل ما يحتويه موقع ” يوتيوب”.

 شاعر سوري  | خاص مجلة قلم رصاص الثقافية

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

مصلوبٌ على باب الرقة

(1) في بلدتي يأتيكَ بالأخبار بائعُ الأحلامِ  والمناجلِ وسكَّاراتُ البليخ والحطّابات وتُشنقُ الطفولةُ دون أنْ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *