آخر المقالات
الرئيسية » ممحاة » عليكم اللعنة جميعاً…!

عليكم اللعنة جميعاً…!

لكي لا أعيش خجولاً، منكسة رأسي، سأعتذر؟ ولكي أبقى قيد الإقامة في مدن الثقافة فلا يزحزح قدمي حرف السفهاء، سأعتذر؟

ولكي أخفف من وطأة خجلي حينما سكن جوانح روحي وحينما ملح مآقي أغرق جفونا كان إقفالها صوناً، كي لا ترى طاعناً بالكتابة، مستكبراً بها مثلما الأنبياء وكما التراتيل العظيمة وإنسانيته تحط، سأعتذر؟

فلا أدري  تماماً دين هذا الإعلام الجديد في الجزائر وفعلته الأخيرة  ضمن قناته الأشهر هنا، وقد أثارت من السخط والازدراء ما يثيره مرور القتلة والإرهابيين على ما اقترفته في حضرة  رمزية من أهم الأسماء من جيل الآباء المؤسسين للرواية الجزائرية وأسرار الحبر، وقد حكم كما محاكم التفتيش أو اقسي عما يضمره فؤاده وأشياء أخرى.

رشيد بوجدرة  الروائي والإنسان استفز إلى أن غضبت أنشاج روحه، واستهزئ بكيانه، وسُفه حلمه إلى أن انتفض ملوحاً بقبضة يده، وعومل بجاهلية فضة وببجاحة وغمزٍ ولمزٍ وضحكات؟  فلا أدري كيف استجمع أولئك  جرأة  محرمة  ورموا قامة أدبية  تستوطن سقف الدنيا وتكتب بلغات العالم.

كيف رموه  بقوالب من التهديد والترويع والداعشية نكاية في إنسانية  تسكن وجه الروائي فلا يخطئها العارفون، وتجربة تثير من الإجلال ما لم يره وكلاء الإعلام  الجديد هنا إلى أن  انتفض كما لم ينتفض  روحاً  مجروحة، روحاً روائية  وقد مسها الضر.

رشيد بوجدرة الذي استقدمته الدوغماتيات الفلسفة إلى الأسفار الروائية مند أولى الكتابات فزاحم  على صفحات نصوصه الثورات وأسماءها والمعتقدات ورسلها والعابرون البسطاء والفقراء والمنسيين فأدخلهم  بوابات التاريخ  محاولاً في كل فتوحه  قبض أحلامهم  حرفاً ربما، قولاً ربما لكنه روض الأحلام كلها على مقاسات الحياة.

وقد التصق بالفكرة الشيوعية أو ربما التصقت به، وقد عاش محباً،عارفاً، متصوفاً فيما اختاره لنفسه من تجليات لم يقاسمه  شغفها أبناء الجلدة، شيوعي يكره الستالينية كما قال، ومسلم يعشق الحرية والإنسان وهي ذاتها تناقضاته وظلال مروره.

كتب بالفرنسية فغار الحرف المولييري منه وأثارت  نصوصه الأولى حوله قضايا بإسقاطات استعمار- ثقافية ولأنه مجاهد  وقد حمل بندقيته  غداة القيام النوفمبري  الجزائري العظيم قال: لا للحرف المولييري الفرنسي، واتجه إلى  ظلال لغة الضاد  الوارفة فكتب وأجاد، وكتب وأبدع، وكتب وأثار من الغيرة من لغته العربية الفصحى ما أثاره من غيرة من لغته الفرنسية الكلاسيكية.

 وأنجز الروائي  رشيد بوجدرة من التناقضات السردية والإشكالات التاريخية والإيديولوجية فيما كتب إلى أن أضحي مثيراً للجدل؟ ظل عنيداً كما حلزونه العنيد  بطل أشهر رواياته، ولأنه ولد اوراسي  أشم من  عطور تلك الجبال فيما تعرف بقبائل الشاوية في الشرق الجزائري بالسنة الأول من أربعينيات القرن العشرين وخاض مساراً جامعياً واكتفى في مطالع السبعينيات من ذات القرن العشرين بالبقاء قيد الكتابة الروائية  وفقط، فظل من يومه عصياً على الترويض أو الشللية أو السباحة مع التيار، فقد عرضت عليه وزارات فرفض واكتفى بجزائرية استثنائية جعلته  أشهر الأبناء  في وطنه  لقد كبله وطنه ولقد أعطاه هو  عمره وأثره.

لاسمه هيبة  يغفل عنها السفهاء ولحضوره أنوار لا يراها الغافلون ولعلها  الجاهلية  الجديدة، وهي تتجلى إعلامياً  قد فعلت به ما فعلت تحت أضواء قناة وبين  السن إعلاميين  لم يدركوا بعد أن سيرة رشيد بوجدرة وإلحاده، ورشيد بوجدرة وجنونه، ورشيد بوجدرة ونضاله من أعطتهم  فسحة  الإعلام  منذ أول الغضب  بما يجهلون ربما. لكي لا أعيش خجولاً منكسة رأسي، سأعتذر من رشيد بوجدرة وحده، ولكي أبقى قيد الإقامة في مدن الرفض والثقافة  سأقول للسفهاء: عليكم اللعنة جميعا؟

 خاص مجلة قلم رصاص الثقافية

عن يسين بوغازي

يسين بوغازي
شاعر وكاتب وصحفي جزائري، يكتب في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية الجزائرية والعربية، صدر له كتاب توثيقي حول أغنية الراي الجزائرية (الراي..الأغنية الجريحة شجن الهامش).

شاهد أيضاً

مصلوبٌ على باب الرقة

(1) في بلدتي يأتيكَ بالأخبار بائعُ الأحلامِ  والمناجلِ وسكَّاراتُ البليخ والحطّابات وتُشنقُ الطفولةُ دون أنْ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *