آخر المقالات
الرئيسية » رصاص خشن » رقصة الهيب هوب

رقصة الهيب هوب

الحكاية تبدأ من الأحلام التي خاصمتني، تبدأ من عند زملائي تلاميذ الفصل، كل يوم يأتي من يحكى منهم عن حلم رآه ليلة الأمس، يحكى والدهشة تتملكني: هل رأيت كل ذلك في حلمك؟

منهم من أخبرني بأنه في حلمه كان في جولة مع الملك “رمسيس الثاني” انتهت بدخول سينما “روفلي”، ومنهم من تضخمت كفه المباركة لأقصى درجة ممكن أن يتخيلها إنسان، تضخمت لدرجة أن اقتلع بها عدة بيوت من جذورها وراح يركض بها، وأن يقظته المباغتة من النوم حالت دون معرفة إن كانت بيوتنا ضمن هذه البيت أم لا.

أصابني الغيظ لأن الأحلام خاصمتني، لم تزرني مرة واحدة، لكنني رغم ذلك كنت على يقين تام بأنها لن تبتعد عنى كثيرًا فأرى نفسي طائرًا في الفضاء وقد نبت لي جناحان، أو أنني أصبحت ملكًا بين يدي الراقصات المُزَزْ تتمايل بينهم في رشاقة وسحر الأستاذة “سوسن”.

بدأت أجهز حلمًا يخصني أحكيه للعيال، أقول لنفسي لابد إنه سيأتيني ذات ليلة، حَدَّدْت أحداثه بهذا الشكل: أنا والعيال المجانين زملائي تلاميذ الفصل أعضاء فرقة موسيقية رائعة نعزف طول الليل في نادى “الكينج”، أراني دائما في ذلك الحلم وأنا أعزف بالجيتار بمهارة فائقة تجعل بنات الفصل يهيمون عشقًا وغرامًا بي وقد تركت شعري طويلا مشعثًا يهتز مع هزات رأسي، ألصقت كذلك سكسوكة رائعة لأن شعر ذقني لم ينبت بالدرجة التي أستطيع أن أرسم به مثل هذه السكسوكة.

أطلقوا علينا في نادي “الكينج” “مجانين مدرسة 16 مارس”، لا لأننا نعزف هذه الموسيقى الفجة الصاخبة، إنما لأننا هجمنا على مدرس الرياضيات الذي كان يجلس متفرجًا علينا في الصالة يتوعدنا باختبار للجبر الحصة القادمة، جرجرناه إلى خشبة المسرح وأجبرناه أن يؤدى رقصة “الهيب هوب”

تصفحت هذا الحلم أول ليلة عندما دخلت سريري لكن لا شيء، كنت أتقلب وقد جافاني النوم، فجأة وكأن أحدًا قد ضربني بشومة قاسية على رأسي فغرقت في غيبوبة عرفت عندما استيقظت أنه كان النوم، نوم بلا أحلام… ثاني ليلة أيضا كان لا شيء، عشر ليال وأنا أتصفح حلمي، أعيش أحداثه دون أن يزورني في نومي حتى لو كنت لا أعزف بالجيتار إنما أضرب بذلك الشيء الصغير الذى يسمونه الرِّق، حتى لو كنت بدون شعر همجي أو سكسوكة ملصقة.

مرت الأيام حتى جاءت الحصة التي قال لنا فيها أستاذ الرياضيات: ناموا… ضعوا رؤوسكم على الديسك وناموا، لأن كل واحد سيصحو بعدها بذهن صاف.

كان يمنحنا بهذا الشكل عملية استرخاء تتجدد بعدها قدراتنا الذهنية العقيمة التي أتعبته، نمت فجاءني الحلم الذي كنت جهزت أحداثه، لكننا عيال الفصل في الحلم الذي جاءني لم نطلب من أستاذ الرياضيات أن يرقص “الهيب هوب” إنما هجمنا عليه واختطفنا منه الأستاذة “سوسن” مدرسة الألعاب التي كانت تشاركه الجلوس في صالة “الكينج” للرقص، تلك المزة التي كانت تفضله علينا بجلسات طويلة تفرقع فيها بضحكتها اللذيذة.

تلقيت علقة ساخنة من الأستاذ، ومن أبي، لأنني عندما رفعت رأسي عن الديسك خارجاً من حلمي، تركت مكاني متجها إلى الأستاذ وأنا أقوم بتحذيره: إياك أن تذهب إلى صالة “الكينج” للرقص ومعك الأستاذة سوسن وإلا جعلتك ترقص “عجين الفلاحة”!

بعدها لم تعاودني الأحلام مرة أخرى، كذلك لن أجهز أحلامًا تعاندني بأحداث غير تلك التي رسمتها مخيلتي. 

مجلة قلم رصاص الثقافية

عن عبد العزيز دياب

عبد العزيز دياب
كاتب وقاص مصري، عضو اتحاد الكتاب العرب، صدر له: "صبيحة تخرج من البحر" رواية، "رسم الريح" مجموعة قصصية، "باب البحر" رواية، "عين مسحورة" رواية، "ضرورة الساكسفون" مجموعة قصصية، حائز على عدة جوائز أدبية.

شاهد أيضاً

مصلوبٌ على باب الرقة

(1) في بلدتي يأتيكَ بالأخبار بائعُ الأحلامِ  والمناجلِ وسكَّاراتُ البليخ والحطّابات وتُشنقُ الطفولةُ دون أنْ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *