آخر المقالات
الرئيسية » نقار الخشب » جزء ثالث من “الفصول الأربعة”.. لا تخدشوا جمال فصولنا!

جزء ثالث من “الفصول الأربعة”.. لا تخدشوا جمال فصولنا!

أعلنت السيناريست السورية ريم حنَّا قبل أيام خلال لقاء مع الإعلامية اللبنانية رابعة الزيات عن وجود مشروع لكتابة جزء ثالث من المسلسل السوري الشهير “الفصول الأربعة” الذي صار جزءاً من الذاكرة الجمعية السورية، فقد حقق العمل الذي عُرض جزئه الأول في نهاية القرن العشرين والثاني في مطلع القرن الحالي نجاحاً منقطع النظير، وما زال السوريون إلى هذا اليوم يعيدون مشاهدته مرة بعد مرة وكأنهم يشاهدونه للمرة الأولى.

يتمحور المسلسل حول عائلة كبيرة تتفرع منها أسر صغيرة تعكس نماذج للأسر السورية والطبقات الاجتماعية الحضرية في المجتمع السوري، وبالتالي سيجد كثيرون أنفسهم في إحدى شخصيات هذا العمل، أو المواقف التي تمر بها.

انقسم كثير من السوريين “كعادتهم” بين مؤيد لفكرة كتابة جزء ثالث ومعارض لها، ولكل أسبابه ومبرراته، فبعد مضي أكثر من عقدين على عرض العمل، فارقت شخصيات رئيسة فيه الحياة، وغادر آخرون سوريا إلى غير رجعة في المدى المنظور نتيجة لما تمر به البلاد، وتغيرات كثيرة أخرى طرأت على حياة السوريين والمجتمع السوري.

إن الدافع الأساسي وراء اجترار أي عمل تلفزيوني ناجح هو الاستثمار، استثمار اسم العمل ونجاحه الأول والرهان على ذلك النجاح، سبق أن حقق مسلسل “ضيعة ضايعة” نجاحا لا يشبهه أي نجاح لمسلسل سوري حتى الآن، لكن كاتبه د. ممدوح حمادة رفض أن ينجز جزءاً ثالثاً من العمل، وأراد له أن يظل خالداً في ذاكرة السوريين، وهذا ما كان. 

إنَّ تجارب مشابهة عديدة لم تحقق أدنى نجاح، وقد لا تكون سيئة إلا أنَّ علَّتها أنها ستظل تحت ساطور المقارنة مع الجزء الأول، والأمثلة على ذلك في الدراما السورية عديدة، مثل: “يوميات مدير عام”، “دنيا أسعد سعيد”، “باب الحارة”، “كسر عضم”، “أبو جانتي”، “بقعة ضوء” وغيرها من الأعمال التي حاولت الاتكاء على عكاز نجاحات أجزاء سابقة لها ولم تُفلح، فكان تغيير ممثل واحد أحياناً أو تغيير أحد أماكن التصوير كفيلاً بتهشيم صورة عمل درامي، وهنا لا يمكن استباق الحدث واعتبار أن الجزء الثالث المزمع إنجازه من هذا المسلسل سيكون رديئاً أو دون المستوى فهذا حكم سابق لأوانه، ولكن المسألة هنا مسألة ذاكرة، فهذا العمل تحديداً مرتبط بذاكرة العائلة، فهو مسلسل عائلي بامتياز، فإن نجحت الكاتبة في إيجاد مخارج مقنعة أو مرضية بالحد الأدنى لبعض المشاهدين، إلا أنها من ناحية أخرى لن تتمكن من لم شمل عائلات كانت شاهدته مجتمعة قبل عقدين، فذاكرة المشاهد ستربط تلقائياً بين زمكانين وبين جيلين وبين وضعين اجتماعيين، إن من كانوا أبناء حين شاهدوه صاروا آباء اليوم، ومن كانوا آباء صاروا أجداداً، وإن جمعنا كل هؤلاء كيف سنعيد من رحلوا عن عالمنا من أهل وأحبة، وكما قال الشاعر الراحل محمود درويش: “إن أعادوا لنا الأماكن فمن يعيد لنا الرفاق”، ومن يعيد لنا حاتم علي وخالد تاجا.

إنَّ مسلسل “الفصول الأربعة” هو من بين أشياء قليلة لم يُعبث بها في سوريا خلال العقد الفائت، وأنا من الذين يأملون بأن لا يُعبث به، وأن يُترك لنا كجزء من مساحة صغيرة نقية نرجع إليها كلما استبد بنا الحنين إلى زمن جميل عشناه بحلاه ومرارته، اتركوا لنا فصولنا وأصنعوا فصولاً لهذا الجيل خاصة به دون المساس بجمال فصولنا، ولا تخدشوها بالاتكاء عليها. 

  مجلة قلم رصاص الثقافية

عن مازن القصير

مازن القصير
صحفي سوري ما زال يبحث عن فرصته، درس في جامعة دمشق، كلية الآداب، قسم علم الاجتماع، لديه رواية قيد الحرق، وله مجموعة دراسات في علم الإنسان الثقافي والمعرفي، وقضايا الشباب والمجتمع.

شاهد أيضاً

إعادة تأهيل سينما “الكوليزيه” التاريخية في بيروت

بعد تجربة إعادة تأهيل وافتتاح دور السينما المقفلة في جنوب وشمال لبنان وتحويلها الى مساحات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *