الرئيسية » رصاص ناعم » آني إرنو:: حين يكون الأدب حجراً في ماء الغيرة الراكد

آني إرنو:: حين يكون الأدب حجراً في ماء الغيرة الراكد

رغم كل ما توصلت إليه المرأة، كانت، وما زالت قضيتها قائمة، ككل المشاكل التي تتسول الحلول. فالمساواة المنشودة لم ولن تبلغها. لذلك ما زالت موجودة في الأدب والفن والفكر والحوارات الجانبية أيضا. وكتابات آني إرنو خير مثال على ذلك. فتلك الكاتبة التي التزمت بقضايا المرأة لم تكن هي الوحيدة، ولن تكون. فهي لم تناقش في كتاباتها قضايا المرأة على المستوى الاجتماعي وحسب، بل ناقشت القضايا النفسية التي تمس المرأة أيضا. من هذه القضايا، قضية الغيرة. فالغيرة كامنة في نفس كل إنسان. قد تتحرك، وقد تبقى كامنة. وهي حسب رأي إرنو” أفكار وأحاسيس وانفعالات وتصرفات تحدث عندما يظن الإنسان أن علاقته القوية بشخص ما مهددة من قبل طرف آخر منافس”. وتحرك هذه المشاعر والأحاسيس مواقف أو ظروف معينة”. وهذا التوصيف ليس بعيدا عن حقيقة الغيرة التي هي نزعة غريزية، وتفاعل إنساني طبيعي، يشعر به الرجال والنساء على حد سواء. ولكنها أكثر قوة عند النساء. فتقنية الاعتراف أو السيرة التي اعتمدتها الكاتبة تفضي بنا إلى معرفة سيكولوجية بقضية الغيرة عند المرأة. وكذلك العنوان الذي حملته الرواية (الاحتلال). فهل الغيرة على المستوى النفسي تحتل المرأة؟ وما هي السبل للفكاك منها؟

في الرواية نجد الغيرة هي التيمة الطاغية على الرواية، أما في الواقع فإن الأمر ليس بعيدا عن ذلك، سواء أفصحت النساء عن ذلك أو لم يفصحن. أيا كانت جنسية المرأة، ومكان تواجدها، في الشرق والغرب على حد سواء، من حيث أن الغيرة هي مرض اجتماعي قد يتعرض له الإنسان بغض النظر عن مستواه الاجتماعي، أو الثقافي، أو الاقتصادي. فالناس كلهم أمام الغيرة سواء. وكما تلاحق الكاتبة تصرفات بطلة الرواية بدقة، كذلك في الحياة الواقعية تهتم المرأة بكل شاردة وواردة في حياة غريمتها. ونحن-هنا- كما في الرواية لا نتحدث عن الغيرة الرومانسية التي تنشأ بين العشاق، وتسمى غيرة الحب، وهذه الغيرة قلما ينجو منها عاشقان. وأغلب الأحيان تكون في بداية قصة الحب بين اثنين، حيث أن كل واحد منها ما يزال لا يعرف الآخر تماما هذا سبب مبدأي، والسبب الآخر أن أغلب قصص الحب تبدأ عاصفة، لذلك تتمحور حياة كل منها حول الآخر. فيما بعد تهدأ العاصفة وتأخذ المشاكل بينهما منحى مختلف الأسباب، ومختلف النتائج أيضا. واللافت للنظر هو ما جاء فى دراسة تم إجراؤها عام 2004 تم نشرها فى “جريدة علم النفس التطوري” حول ما يثير الغيرة أكثر الخيانة الجنسية أم الخيانة العاطفية، فقد توصلت الدراسة إلى أن الغيرة تنشأ بسبب الخيانة العاطفية أكثر من الخيانة الجنسية!! وهذا يدل على أن المرأة تدرك الفرق بين الحب والغريزة، ودوافع كل منهما، ومدى تمكنه من النفس الإنسانية.

إن اختيارنا لرواية الاحتلال للكاتبة آني آرنو لم يكن من باب المصادفة، بل لأن الكاتبة أحاطت بموضوع الغيرة إحاطة شبه كاملة، إحاطة مستوفية لشروط البحث على المستوى النفسي والاجتماعي أيضا، وهذا قلما نجده في الأدب.

ما أردنا قوله أن علاقة الإنسان بالغيرة تختلف عن علاقته بأي مرض نفسي آخر، لأن الإنسان ممكن أن يتعرض للغيرة منذ مرحلة الطفولة المبكرة إذا لم يدرك الوالدان حساسية الطفل اتجاه اخوته وأقرانه، ولا تتواقف عند تلك المرحلة، بل ترافقه أثناء مرحلة المراهقة، وفي المدرسة، وفي العمل، من حيث أن الإنسان كائن اجتماعي، وسلوكه في أغلب الأحيان هو موضع مقارنة مع سلوك الآخرين. والمرأة العربية التي هي مثار بحثنا هذا هي الأكثر تأثرا بتلك المقارنات لأننا نعيش في مجتمع أبوي(بطريياركي). وبنفس الوقت لأن المرأة بطبيعتها كائن عاطفي، وللعواطف الحصة الأكبر من اهتمامها. صحيح أن المرأة في نهاية المطاف تتغلب على تلك الإخفاقات، والانكسارات، ولكن لا يتم لها ذلك إلا بعد أن تدفع ثمنها قلقا وأرقا وانتكاسات نفسية قد لا ينتبه إليها أحد.

مجلة قلم رصاص الثقافية

عن لينا حلاج

Avatar

شاهد أيضاً

مساءلة الكتابة والأنوثة والسلطة في ديوان “سفر على نار باردة” للشاعرة كوثر بلعابي

ينتمي ديوان “سفر على نار باردة” للشاعرة التونسية كوثر بلعابي إلى الشّعر التّأمّلي، وهو شعر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *