آخر المقالات
الرئيسية » رصاص حي » المرأة العربية بين العنف كثقافة، والعنف كواقع

المرأة العربية بين العنف كثقافة، والعنف كواقع

لينا حلاج  |

ما زلت أحلم أن تتغير أمور كثيرة في مجتمعاتنا، أن أتمكن من رؤية مجتمع متحضر مثل كثير من الناس، وينتهي العنف بكل أشكاله. أقدر فعليا الكم الكبير من الجدل القائم حول العنف، وماهيته، ومحاولات تجاوزه.

فالعنف كمرض اجتماعي أساسه المعايير العقيمة التي تبناها المجتمع، ومن ثم تحولت إلى ثقافة عامة تؤدي إلى خلق أشكال مشوهة من العلاقات الاجتماعية، وأنماط سلوك مضطربة، داخل الأسرة وخارجها. وما زلنا نتساءل عن سبب ارتفاع وتيرة العنف، واستمرارها المتزايد في عالمنا، وعدم القدرة على مواجهتها ووضع حد لها ؟! وهذا ما يسمى الأخلاق المغلقة، وهي حسب رأي هنري برغسون ترتبط بعادات المجتمع، وكل عادة من هذه العادات تضغط على إرادتنا. وإن هذه العادات يعضد بعضها بعضاً، وإنها ليست منفصلة، بل إن هناك اتصالاً بين هذه العادات. ونتيجة هذا الضغط يتبلور بداخلنا جملة من العادات نرتبط بها، وهي شبيهة بالغريزة التي أوجدتها الطبيعة. وإن هذه الأخلاق المغلقة هي أخلاق ثابتة لا تتغير، وهي تدّعي في كل لحظة أن وضعها الراهن هو الوضع النهائي.

وتشير الدراسات أن المعنفين لا يولدون هكذا بالضرورة، وإنَّما يصبحون كذلك بفعل عدّة عوامل بيئيّة واجتماعيّة ودينيّة. لذا من الضروري دراسة هذه العوامل التي تنتج هذه الظاهرة، أو تدفع إليها.
يعتبر العنف ضد المرأة من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشاراً في عالمنا اليوم، ولا يمكننا حصره في شكل واحد بل يظهر العنف في أشكال جسدية وجنسية ونفسية ولفظية. وأحيانا تجتمع كلها في شخص المرأة المعنفة.
ففي احصائية للأمم المتحدة ﺗﺘﻌﺮض واﺣﺪة ﻣﻦ ﺛﻼثة ﻧﺴﺎء وﻓﺘﻴﺎت ﻟﻠﻌﻨﻒ اﻟﺠﺴﺪي أو اﻟﺠﻨﺴﻲ خلال ﺣﻴﺎﺗﻬﻦ، ويكون ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ اﻷﺣﻴﺎن من طرف عشير.
وتظهر البيانات المستجدة منذ بدء جائحة كوفيد -19 زيادة في الاتصالات بأرقام المساعدة فيما يتصل بالعنف المنزلي في بلدان عديدة نسبة 52 % !!

من المنظور السوسيولوجي تتعدد أسباب العنف ضد المرأة وتفسيراتها، من خلال تحديد الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة ودورها في توليد العنف، ومن أهمها هيمنة الرجال، ومنحهم حق السيطرة على المرأة، واللجوء إلى العنف كوسيلة لحل المشاكل التي تواجههم، ففي دراسة انثروبولوجية بينت، أن بعض المجتمعات تعتبر العنف شيئاً ضرورياً!! ففي تونس وحدها يتلقّى الخط الأخضر 1899 للتبليغ عن حالات العنف ضد المرأة، الذي يعدّ من آليات المرصد الوطني لمناهضة العنف ضد المرأة، أكثر من 15 ألف مكالمة سنويا!!

أحد أسباب العنف ضد المرأة انتشار الفقر والبطالة، يقول علماء النفس: إنَّ العنف قد ينتج عن الشعور بالغضب الذي يُسبّبه الإحباط واليأس الذي يتعرّض له الشخص، إضافةً إلى عدّة عوامل نفسية أخرى؛ كالشعور بالقهر والإحساس بالدونية والعجز الذي قد يتعرّض له الزوج في مكان عمله أو غيره وعدم قدرته على الردّ على مصدر إحباطه، فتلك العوامل تؤدّي إلى أن يُظهر الزوج ردود أفعال عنيفة على زوجته أو أحد أفراد العائلة، ومن جهةٍ أخرى يقترن العنف ضد المرأة بحاجات الفرد، فقد يشعر الشخص بشعورٍ سيّئ في حال عدم قدرته على تحقيق احتياجاته أمام الآخرين، ومع مرور الوقت يتحوّل ذلك الشعور إلى عنف ضدّهم ومن أبرز أسباب العنف ضد المرأة هي المرأة نفسها، و يكون ذلك نتيجة خوفها الشديد من الرجل والمجتمع وخوفها من اللجوء إلى المحاكم لعدم قناعتها بوجود قوانين رادعة للعنف، وأمام انتشار هذه الظاهرة وتفاقمها أصبح لابد من ضرورة إعادة النظر في الأساليب التربوية بما يتماشى وفق الحقوق الإنسانية لكل فرد مهما كان جنسه، من خلال صياغة مفاهيم جديدة تعمل على تعزيز مكانة الفرد في المجتمع. فالمجتمع يفتقر إلى الوعي، ومازال يؤمن، وبقوة، بدونية المرأة، وعدم مساواتها بالرجل.

ما لم تتغير العقلية السائدة، فمن الصعب أن تتاح للمرأة حرية القرار أو المشاركة الفعالة في صنع القرار تماما مثل الرجال من دون تعرضها للعنف وربما القتل.

بعض المنظمات النسائية ناشطة بفعالية في مجابهة العنف ضد النساء، وجرائم قتلهن إلى حد ما، ويجب مساندة تلك المنظمات اجتماعيا وقانونيا. لهذا نحن نكتب.

قال لي أحدهم: إنَّ عليك القراءة عن العنف كثيراً حتى تستطيعين كتابة مقال، ولكن ما يدور في عقلي مختلف تماماً، فالحقيقة موجودة في المجتمع الذي نعيش فيه، في المحيط، في قلب البيت الذي نعيش فيه، في البيوت المجاورة، خلف الأبواب المغلقة، من هؤلاء الناس فقط يمكننا أخذ الحقيقة الكامنة.

مجلة قلم رصاص الثقافية

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

مصلوبٌ على باب الرقة

(1) في بلدتي يأتيكَ بالأخبار بائعُ الأحلامِ  والمناجلِ وسكَّاراتُ البليخ والحطّابات وتُشنقُ الطفولةُ دون أنْ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *