آخر المقالات
الرئيسية » رصاص ناعم » ترانيم الوجود ..عبثية الإنسان

ترانيم الوجود ..عبثية الإنسان

د. فاطمة نصير |

* ما كُتِب في حاشية لوح الخراب:

لا حاجة لنا لقراءة نصوص تراجيدية أو حتى متابعة مسرحيات وأعمال سينمائية تراجيدية، طالما الواقع البشري المتوحّش حالياً صوّرها لنا حقيقة لا مجازاً، واقعاً لا تمثيلاً، وأجاد ذلك حدّ نزيف شرايين الإنسانية كاملة.

* تحديق في عيون/ متون الخراب…

لا شريعة كشريعة القتل والتدمير يشدّ عليها الإنسان بمخالبه منذ البدء، لا شريعة كالقتل اعتنقها وعانقها بكل إخلاص وفيض إيمان، لا شيء كالقتل ورثه الإنسان عن أخيه الإنسان ليقتل أخيه الإنسان، ورثه جيلاً بعد جيل، أباً عن جد، ثمّ اجتهد كثيراً في تطويره ولا زال يجتهد حتّى بلغ فنون القتل بالجملة، رافعاً شعاره عالياً كي يراه المارون العابرون على ضفاف السراب، شعاره صار منهجاً: البقاء للأشرس، وإنْ لم تَقَتُل تُقتَل..!، أمّا الحب فقد تحرّف معناه منذُ حشرت الرّاء اللعينة نفسها بين الحاء والباء بقوة الفضول والوصاية، وباتت تتدخّل في شؤونهما، بل وترعاهما كقاصرين معتوهين..

التكاثر والتناسل حيلة الإنسان لبلوغ الخلود، ولو من خلال نسخه المكرّرة وغير مكرّرة، ليته يلغي عقله، كأن يرميه جانباً، ثمّ يبحث عن الخلاص من خلال تحقيق مشروع ضخم كالانقراض مثلاً !، لعلّ الأرض بعده تزهر ماءًا ونوراً..

ما روت كتب التاريخ المليئة بالزيف والتزييف، أن حيواناً نحر أخاه الحيوان، لكن في المقابل روت كتب التاريخ، وردد الواقع مصدقاً بالصورة والصوت  المسموع والصدى المكرّر، أن الحيوان الناطق المتباهي بعقله / حمقه، نحر أخيه وسلخه، واغتسل بدمه، ورقص على أشلاه، ثم شرب نخب بطولاته الفانتازتيكية..

بعد كل هذا وذاك الخراب الذي أحدثه الإنسان، صار لزاماً عليه أن يستفيق وأن يتفطن بأنه ليس سيّد الكون، وإن حدث وتسيّد فهو سيّد الوحوش الضارية …بعد هذا النزيف والخراب اللاّمجاني، لا زال الإنسان يجزم بأن العالم فيه انطوى!..

ما جرّك لهذا سوى العُته والغرور والذكاء الحاد والاندفاع الهمجي، وأنت الناقص المنقوص المختزل، لا عالم فيك انطوى، بل إنك منطوي في هذا السّراب تتخبّط، تُجدّف، تبحث عن خلاص  بعد معاداتك لذاتك، وقتلك لأخيك الذي لم تتدبّر بنفسك حتى دفنه!..بعد معاداتك لله، وعدم اتفاقك التام مع الشيطان، وتنكّرك للجمال، وإشاحة وجهك للطبيعة،ماذا تبقى لك ؟! الاندثار أولى لك وبك، والانقراض أفضل لك، لتصطفّ هناك.. هناك بعيداً..بعيداً.. في طابور الأساطير اللاّمنسية كما الديناصورات، عسى أن يرث هذا الكوكب سكّاناً جدد يعيشون على ذكرى بطولاتك الخانقة، خنقت الأرض ومن عليها، و يرفسونك بأقدامهم العملاقة وأنت تحت الثّرى تُرى ولا تُرى ..

قبل ذلك وقبل أن تغادر العالم، ضع سبّابتك الرقيقة بلطف على رقعة / بقعة في الخارطة، لم تمارس فيها وحشيتك، ولم تدنّسها برجس أملاه عليك عقلك العظيم الذي تعتبره خاصية تفرّدت بها، وبه تباهيت وتفاخرت أمام الكائنات المرئية واللاّمرئية..

العالم متوحّش منذ البدء، منذ قابيل وهابيل، الآن فقط تكثّفت وتكشّفت الصورة حين نظرنا لها دون حجاب فاصل، ثمّ دقّقنا النظر إليها تارة من خلف عدسة مقعرة، وتارة أخرى استعانة بعدسة مُحدّبة، العالم أيّها الإنسان آل ويؤول وآيل إلى الخراب، هو القادم من الخراب  العائد  إليه، والخراب موروث أبدي سرمدي توارثته الأجيال، مجرم عن مجرم، قاتل عن قاتل..

*ـ استدراك على هامش الخراب:

 النّفس الأمّارة بالمحبّة، والضمير الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، هما أجمل/ أوجع ما يحمله إنسان بين جنبيه ..

كاتبة وباحثة من الجزائر | خاص موقع قلم رصاص

[email protected] 

 

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

مصلوبٌ على باب الرقة

(1) في بلدتي يأتيكَ بالأخبار بائعُ الأحلامِ  والمناجلِ وسكَّاراتُ البليخ والحطّابات وتُشنقُ الطفولةُ دون أنْ …