آخر المقالات
الرئيسية » رصاص ناعم » عندما تكره الثلج

عندما تكره الثلج

نور شنتوت  |نور شنتوت - موقع قلم رصاص

لعلها أول مرة أدرك ذلك البياض الساحر من نافذة بيتي في زملكا (ريف دمشق)، يداي الصغيراتان حاولتا رفع جسمي لأصل النافذة، حملني أبي، زملكا الرمادية أصبحت بيضاء بفعل ذلك الذي في السماء!!

كنت أتخيل أنه له لحية بيضاء، مصنوعاً من غيوم، سألت أبي إن كان يمكنني التزلج و الرقص في تلك الساحة، لعلها فكرة استعرتها من برامج الأطفال؟ رقصت وحيدة، جيراننا كانوا يراقبونني من النافذة وأنا أرقص، أمي لم تكن تحبهم، وأنا لم أكن أفهم لماذا كل نساء الحي ينظرون إلينا من “العين الساحرة” ولا يفتحون الأبواب، يخافون الغرباء، وتهددني روان، ستخبر أمي أنها رأتني أبول خلف الحاوية..! ضحك جدي عندما أخبرته أن هناك دعاء عليه أن يقوله عندما يدخل الحمام “قل أعوذ بالخبث والخبائث” و لكنه ينظر إلي باستغراب عندما أردد سورة البقرة عن ظهر قلب، لم أفهم ما الرابط بين ما أقوله و تمكين لغتي؟؟ البقرة هي الوسيلة التي ستجعلني أزيد مجموعة الأقزام ذات الشعر الملون التي كانت تقدمها لي معلمتي التي تغطي شعرها بغطاء أبيض و تبتسم ولكن لاتضحك أبداً…

فتاة وأصدقاؤها في ذلك الحي الملون  -الناس فيه مختلفون-  يلعبون معي و يمطرونني بالأسئلة، لم أفهم لماذا انفجروا بالضحك عندما قلت لهم أنني من سكان زملكا، ومدرستي في “الطابق الفوقاني”، أمي ابتسمت وأكملت أكلها ولم تخبرهم أن ذلك الحي موجود بالفعل ونذهب إليه بسيارة بابا البيضاء “عزيزة”، أمي لا تحبها لأنها تتوقف فجأة.

تركت زملكا ولكن ظل الثلج يغطي ليمونة حيديقتنا، لا نذهب للمدرسة ونضرب بعضنا بكرات الثلج جانب سوق الشيخ محي الدين ابن عربي، نشرب البابونج وأمي تضع ثيابي جانب المدفأة، وأبي يضع عليها الكستناء.

انتقلنا إلى ذلك الحي الملون، لا شجرة ليمون فيه، ولا ساحة للرقص!

أذهب للجامعة بسيارتي وأمي تحذرني من الطرقات: “في غير المجانين بيطلعوا بهل طقس”، ألتقي أصدقائي المجانين نشتري النبيذ صباحاً ونركض في شوارع باب شرقي، من ثم نذهب إلى جرمانا إلى البيت، فأم صديقنا ترسل له النبيذ من السويداء!

ذهبت إلى الجامعة، سألتني صديقتي هل صحيح أنها ستثلج في فيينا؟ دخلت المرسم الضخم وحيدة، استخدمت كامل قواي لدفع الباب العملاق، لم أستطيع البقاء في ذلك البناء الجميل، الذي كان يدرس فيه “إيغون شيلي “تحت إشراف “كليمت”. خرجت مسرعة نسيت إطفاء الضوء، رجعت و تأكدت أنني لم أنسى دخاني. استخدمت قواي لشد ذلك الباب الضخم، ورأيت الأبيض.

لم أحبه.. بل كرهته، وتذكرت أنني لم أرقص في زملكا، و أننا لم نكن نملك أحذية تزلج، وأنني لا أحب التزلج، وأن للثلج طعماً آخر هنا.

فيينا  | خاص موقع قلم رصاص

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

مصلوبٌ على باب الرقة

(1) في بلدتي يأتيكَ بالأخبار بائعُ الأحلامِ  والمناجلِ وسكَّاراتُ البليخ والحطّابات وتُشنقُ الطفولةُ دون أنْ …