آخر المقالات
الرئيسية » رصاص خشن » الحب والانتماء المفتوح في رواية «ابن القبطية» لـ«وليد علاء الدين»

الحب والانتماء المفتوح في رواية «ابن القبطية» لـ«وليد علاء الدين»

 

دعد ديب  |  

 متخفيا وراء قصة الذهان والمرض النفسي حيث الكتابة وفق تعبيره هي فن قنص الأصوات التي تجول في الذهن يلج وليد علاء الدين موضوعه منذ عنوان روايته (ابن القبطية ) التي تشي بمضمون الإشكالية السردية كمرآة تعكس واقع تتشظى هوياته الاثنية والطائفية في عمله الأخير الصادر عن الكتب خان للنشر والتوزيع لعام 2016 لتتسع عدسة كاميرته لعكس لوحة القاع  حيث الخوف يتصدر المشهد الإنساني..الخوف من الآخر ومن هو الآخر مسائلاً مرة ومشككاً مرة أخرى  لينساب في بحث ازدواجية الثقافات المشتركة التي تصيغ وعي الفرد وأزمة المواطنة  والمعتقد، فالجميل يوسف ثمرة المحبة لأب مسلم وأم قبطية تتنازعه التيارات المتشددة في الاتجاهين  ليسقط مجدداً في رعبه النفسي ضمن شيزوفرانية فصامية تعلن اغترابه في محيط تتفاقم أزماته الروحية والمادية…حيث الجميع في الشرك….الجميع في المصيدة بدءاًمن الفرد الاعزل الباحث عن يقين يجده في استسلامه لإجماع فقهي الى ليلى الفتاة المجبرة على خيار لاترتضيه بإيماءة تشبيه فمها المصبوغ بفم السمكة المهيئة لابتلاع الطعم..وراحيل الشخصية التي تعاني من اشتباك الانتماء مرة لمصر موطن أبيها ومرة لديانتها الموسوية وهي الحاملة لحلم الخلاص برحم يتسع لكائن يأتي من أصلاب ثلاثية الانتماء بين الديانات السماوية “اريد لرحمي الموسوي، أن يستقبل طفلة من نطفة تشكلت من صلب محمدي في رحم مريمي” ميزانها الحب الجامع الذي يعطي مناعة وحصانة لنسل  لا يعترف بالفوارق بحكم نسبته المختلطة..طبعا ًهو حلم طوباوي نعم حلم لا يتحقق إلا في الغياب عن شروط وظروف لبيئة متفتتة ينخر فيها الجهل.

علاء الدين الذي بدا جريئاً في تناوله للمقدس والطوائف التي تنوس حوله فتح الباب موارباً للمسألة المعقدة. الدين والمسألة الطائفية..القضية الأكثر التصاقاً بلاوعي إنسان المشرق والمحددة لأكثر اتجاهاته وأفكاره السياسية منها والعقلانية حيث يتساءل “لماذا يبدو الأنبياء مشوهين في كتب يفترض فيها القداسة” في إشارة لغدر يعقوب لأخيه عيسو بسرقة حقه في البكورية وسمي يعقوب ماسك كعب القدم لذلك حيث سلالته ورثة الخوف الناجم عن الغدر وهل تنسجم صفاتهم وتصرفاتهم مع أخلاق اليوم وهل تتجزأ الأخلاق وهل تتغير بتقادم الزمن…لتبقى فلسفة الحب هي  المطهر من أدران الضغينة والغدر في استعارة للمثيولوجيا الدينية في قصة النبي يوسف وغفرانه لقومه..و عشق زليخة له.

 الصوفية مرة أخرى في فهم الإسلام من حيث انسجامه مع الفطرة الأولية والحب الإلهي.. عزفت لحنها ايف شافاق ذات مرة  في قضايا الحب الأربعين بتبيان رمزيته  كاستسلام لنظام الخالق الكوني حيث ترجمته الفعلية أن يسلم من الأذى ..هل التركيز على مؤمنين بالفهم الروحي الذي يقصده يوحي بانحياز فيه فهم استعلائي لمتبعي طائفة عن أخرى… قد تخالف الفهم العميق الإنساني الجامع الذي يحاول الكاتب إعادة صياغة البشر على ضوء فهمه، هل وليد علاء الدين يريد أن  يخلق تصورات توافقية لفهمه للدين منسجمة مع حسه المرهف… أم هل ينأى بنفسه عن الحس النقدي لفتاوي القتل..صحيح أنه يصيغ رواية لها من الخيال ما لها…بانتقائية ذات وجه رحماني لما اختاره من نصوص..تجعلنا نتسائل عن معنى اختيارها..هل هي خطاب مجتمعي لإعادة صياغة للوعي الديني وإعادة تموضع الأخلاقيات الروحية فيه بديلاً عن فتاوي التكفير وإلغاء الآخر لينهل من الفهم الصوفي للجوهر الفقهي للدين المتمثل بالعشق الإلهي الذي يتخذ من الحب منطلقاً وأساساً بفهم الله والحياة والإنسان في زمن سردي يتوزع بين استطراد واقعي لحدث متحرك وبين زمن ممتد في لاوعي الشخصية المحورية يوسف بعيونه المقلوبة الى الداخل والراقص حتى الغياب…حتى التماهي في روحانية عالية اللغة والإيحاء حيث الرقص جسد معلق بين الحضور وبين التلاشي..رقص الجسد والمعنى ..رقص الكلمات التي صاغها علاء الدين بحرفية عالية ووشي رهيف حملها على أذرع السرد المتعدد الأصوات بلسان متناوب  لشخوص الرواية حيث التقنية المفتوحة للتعبير بوعي وإدراك كل شخصية للحدث الواحد وتناغم الشخصية المحورية المتناثرة بضبابية وجودها الهش المهيأ للانكسار وتوقها العالي لموسيقا  لا تعترف إلا بالحب بداية ومنتهى  كنغم سرمدي يعلو ويعلو…

ناقدة سورية  |  خاص موقع قلم رصاص

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

مصلوبٌ على باب الرقة

(1) في بلدتي يأتيكَ بالأخبار بائعُ الأحلامِ  والمناجلِ وسكَّاراتُ البليخ والحطّابات وتُشنقُ الطفولةُ دون أنْ …