الرئيسية » ممحاة » مدينة الخشب

مدينة الخشب

وليد السابق  | 

حين وصلت هنا “مدينة الخشب” في بدايات القرن .. استنتجت سريعاً أن لا روحانية في المدينة إلا أماكنُها.. البشرُ هُنا .. محايدون ..
 متنزّهات المدينة في بدايات الربيع لها سحرها .. بعضها الذي يحاذي النهر شيء يفوق الوصف .. هناك في صباحات ربيعية .. حيث النهر والشجر والطيرُ .. وقلة قليلة جداً من البَشَر .. وُلدَ يوسف الفقير .. الحارس الليلي لمقبرة البلدة .. في روايتي الأولى أصل العالم ..
بدأت في زياراتي الأولى للمتنزّهات ألاحظُ أمراً غريباً.. البشر يحتفي بالحيوانات أكثر من بنات جنسها.. تمر امرأة مع كلب فتصرخُ أخرى .. يا لهُ من كلب رائع .. أو أكرم بهِ من كلب .. طبعاً بالفرنسية ..
 كل المارة على قلتهم يحتفون بكلاب وقطط وحرباءات وغيرها .. بدأت أحس أني مختلف .. يمر كلب بقربي فأقول .. ابتعد عني ما احبك وش تبي بي .. ع رأي الأغنية الخليجية ..
 بدأ إحساسي باللانتماء الكلبي يتعمق .. فأرى نفسي خارج منظومة الإنتماء الوطنية الكلبية .. هذا غير جيد..
 أحسست بالندم .. وقررت أن أعيد انتمائي إلى جهته الصحيحة .. وبدات أفكر .. أنا أحب الكلاب .. أحب القطط .. الحرباءات .. الأفاعي .. أحب الخنازير والعضاءات ..
 ثم بات حقيقة أو هذا ما حاولت أقنع نفسي به .. سأصحح خطأي .. أول كلب سأراه سأصرخ صرخة مهولة كصرخة هانيبال في ” كاناي ” .. سأقول ما أجمله من كلب .. أو بئس الحياة حياةً لا كلاب بها .. نعم .. أول كلب سيصادفني..
 كان الطريق صاعداً .. يصل قمته ثم ينحدر .. كنتُ قبل وصل قمة الطريق بأمتار حين رأيت امرأة تأتي في الاتجاه المعاكس وبيدها شريط .. عرفت أن معها كلب .. لكن الطريق الصاعد جعلني أرى المرأة فقط قبل أن تنكشف الطريق عن كلبها ..
 المرأة الحسناء كانت ببدلة رياضية بيضاء .. هذه هي .. قلت في نفسي .. تقدّمت نحوها .. ونظرتُ إليها كما نظر كمال الشناوي إلى نبيلة عبيد في فلم نسيت اسمه .. في تلك اللحظة فقط .. رأيت الكلب .. يا آلهة السماء .. يا دروب الصعودِ في تدرجات المجرة .. يا قديسين .. أي كلب هذا ! ..
الكلب كان -دون مبالغة – بحجم حصان صغير .. 
 توقف الزمن للحظات .. المرأة تقترب مع كلبها .. وأنا بتقدمي ظهر أني أريد أن أقول أو أفعل شيء .. لا يمكنني التراجع .. سيعتقد الكلب أني من جماعة بوكوحرام .. هالأبن الحرام ..
تقدمتُ مُلاطفاً .. قلتُ ما أجملهُ من كلب .. تقبرني شو مهضوم ومسمسم .. بالفرنسية طبعاً ..
المرأة ابتسمت .. هذا رائع .. لكن الكلب الذي امتلأت عيناه شراً لم يبتسم ..
قلت يا آلهة كوكب المريخ ما ألطفه من كلب ..
الكلب يفكر .. ما ألطفني ها ؟ ثم أصدر الكلب صوتاً عظيماً .. شيء يشبه النباح لكنهُ أعظم ..
صوت كصوت البوق .. ليس البوق العظيم في رؤيا يوحنا .. لا ذاك شيء مختلف ..
 أظلمت الدنيا في عيني أنا العبد الفقير .. وماجت الأماكن و تباعدت .. أحسست أن لساني بات ثقيلاُ ثم بدأت الأرض تتمايل ..
أحسست بالمرأة تقترب مني و تسندني بيديها .. تقول أنت بخير .. وأقول لها -بالفرنسية طبعا-  يا مستورة وصليني لأقرب مقعد لأنو رجلي ما عادو يحملوني .. وما عاد طاسس .. بعيد عنك ضربني العمى..
 أخذتني أجلستني على مقعد .. وتجمهر جمهور غفير .. عندها تذكرت تلك القصيدة العصماء التي مطلعها .. عم تتطلع بالنسوان شو بدك منهون قلي .. اللي ما يحب النسوان الله يبعت لو علّة ..
فبكيت حتى بلل الدمع محملي ” امرؤ القيس ” ندماً على خطيئتي ..
فأبرقت السماء و أرعدت ..
 وكان بين الحشد كافر شرير .. تابَ ووزّع أمواله على الفقراء والمحتاجين .. وامرأة عاقر حبلت من توها وساعتها ..
وحصلت معجزات أخرى كثيرة ..
 وهكذا ..

مهندس وكاتب وشاعر سوري ـ مونتريال  |  خاص موقع قلم رصاص

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

مع إيميل سيوران

قيمة الكتاب بالنسبة لي كقارئ مرتبطة بقدرته على إثارة الأسئلة، وأهم الأسئلة هي تلك التي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *