الرئيسية » ممحاة » نوبل للآداب وآيات سلمان رشدي الشيطانية

نوبل للآداب وآيات سلمان رشدي الشيطانية

ضياء جبيلي  |

كانت جائزة نوبل للآداب ستذهب إلى سلمان رشدي لولا أنه كتب آيات شيطانية وأثار حفيظة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. وبغض النظر عن جانبها الفني والتقني والقدرة الكبيرة على الربط بين الأزمنة بالطريقة التي جعلت كونديرا يبالغ بالمديح ويعد ذلك اعجازاً لم يصل إليه أحد قبل رشدي، فإن آيات شيطانية تأتي بمثابة غلطة الشاطر المتعمدة التي جعلت نوبل تشيح نظرها عنه كل هذه السنوات، خصوصاً وأن هناك الكثير من أدان محتواها من غير المسلمين.

لم تكن الشهرة تنقص رشدي حين أصدر هذه الآيات، فقد ذاع صيته منذ أن فاز بالبوكر البريطانية عن رائعته أطفال منتصف الليل التي مزج فيها الواقعية السحرية الهندية بالواقعية التاريخية، لينتج عملاً لن يتكرر على كثرة ما فيه من الحذاقة والمهارة والفن. في حين جاءت آيات شيطانية بنبرتها العصابية لتماثل روايات التشفّي بالمقدس والديني في أوربا، نبرة رشدي الكاتب النزق الساخط على وطنه الأم ولغته الأم ودينه وعرقه وهويته. أو ربما أراد بهذه الرواية أن يحذو حذو العديد من كتاب الغرب في استلهام شخصية المسيح على نحو تهكمي الغاية منه السخرية من الديانة المسيحية والسخط على الكنيسة خصوصاً الكاثوليكية منها، من دون انتظار أمر من الفاتيكان يبيح دم هذا الكاتب أو ذاك ممن أوغلوا بالتعنيف والتشفّي من الدين والمتدينين، بدءاً من بوكاشيو قبل تدينه مروراً بفلوبير وصولاً إلى غرين وجويس وباربوس وغيرهم الكثير، لكنه اصطدم في نهاية الأمر بالعنف والتهديد والوعيد وفتاوى اهدار الدم والقتل، فحصل ما حصل وأُحرقت المكتبات التي تبيع كتبه وقُتل بعض مترجميه وكاد أن يُقتل هو نفسه بكتاب مفخخ مما اضطره إلى الاختفاء لعشر سنوات.

لا نريد اجترار ما قدمه مصطفى طلاس وهادى العلوى وعبد الرزاق عيد وأحمد برقاوى بشأن هذه الرواية، وردود صادق جلال العظم على نقودهم عنها، لكني بالمقابل ثمة تساءل: ما الذي أضافته آيات شيطانية إلى ” حقيقة الأدب ” بتعبير المفكر العظم ؟ أو حتى إلى الكاتب نفسه ما عدا المزيد من الشهرة والأضواء التي كان قد اجتذبها قبل هذه الرواية من خلال أطفال منتصف الليل ؟ وأي قيمة انسانية أو حتى وجودية أو جمالية أو فلسفية اعتمدتها فكرة الرواية ؟ ولماذا كل هذه الفوضى، وهل جاءت حقاً بقصد التعبير عن الرأي، أم مجرد تجديف لا يختلف عن مساعي القس تيري جونز لحرق القرآن أو نقش إحدى البغايا آية الكرسي أسفل قفاها ؟ وأي رأي عبر عنه يا ترى وإزاء من في حال استبعدنا التبرير الذي قدمه الإعلام الغربي باعتبار آيات شيطانية ( عملا ابداعياً ممتازا يصور انفصام شخصية المسلمين المهاجرين لأوروبا بين المقدس الماضي ونمط الحياة والقيم الغربية ) ؟

وإذا سلمنا بالإيمان القديم من أن هناك مهمة ورسالة وراء كل عمل ابداعي، خصوصا في مجال الرواية، فما هي المهمة التي تكبدها رشدي وهو يكتب آياته هذه ؟ وبأي الروايات يمكن مقارنتها من ناحية تأدية المهام المتعلقة بها ؟ وفي كل الأحوال، لا يمكن مقارنة رواية مثل آيات شيطانية خلفت وراءها القتلى والجرحى والمطاردة أكثر مما أوضحت رؤية محددة تجاه مسألة الهجرة كما يقول بذلك رأي الإعلام الغربي برواية من طراز عناقيد الغضب لجون شتاينبك التي لفت الانتباه إلى قضية المهاجرين المحليين في ذلك الوقت ومعاناتهم في ظل الرأسمالية. 

روائي وقاص عراقي  | خاص موقع قلم رصاص  

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

مع إيميل سيوران

قيمة الكتاب بالنسبة لي كقارئ مرتبطة بقدرته على إثارة الأسئلة، وأهم الأسئلة هي تلك التي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *