الرئيسية » نقار الخشب » أوجه “خيانة المثقف”: المُثقَّف المُبرِّر

أوجه “خيانة المثقف”: المُثقَّف المُبرِّر

رولا سرحان | لن نخوض في تعريف إدوارد سعيد لـ “خيانة المثقفين”، ولا في تعريف جوليان بندا لهم في كتابه “خيانة رجال الدين” أو الذي تمت تسميته لاحقاً “خيانة المثقفين”، لكن بالإمكان الحديث عن أحد أوجه “خيانة المثقف”، والتي هي تبريرُ “خيانةِ مثقفٍ” آخر،

سواء كان التبريرُ عن قناعةٍ أو لانسجام مع فكرةٍ يتفقُ الاثنان على مصلحةٍ لهما فيها، أو يكون التبريرُ نتيجةَ علاقةٍ شخصية تجمعه بالمثقف المُبرَّرِ له، أو نتيجة امتلاكِ المثقف المُبرّر نفوذاً سياسياً، أو لأية أسبابٍ أخرى. هما يتفقان إذن على الاشتراك في انتهاك الذهن العام، بالترويج لفكرةِ ما، لامتلاكهما مهارات لا يمتلكها الفردُ العادي في المجتمع.

المثقف الفلسطيني -بغالبيتهِ- يعيشُ على الحافة، لا تأثير له، هو خارج دائرة التأثير المجتمعي والسياسي- وإن ادعى خلاف ذلك – ولإدراكه داخلياً في عمق ذاته لدوره الذي لا دور له، يخون، والخيانةُ هنا تأتي في إطار البحث عن دور، وهذا الدور هو دور يتعلَّق بالإخلاص، والإخلاص ليس لفكرةٍ أو قيمةٍ عُليا تجعلُ من المبدأ المطلق مستمراً، ولكن يأتي الإخلاص للسلطة السياسية القائمة ولأفكارها، وقد تكون تلك السلطة القائمة في حالتنا هي الاحتلال.
لذا، تجد المثقف هنا يُحرِّفُ الحقيقة، سواء من خلال كتاباته أو من خلال دفاعه عن كتابات شخصٍ آخر، وهو هنا يبرر ويسوقُ الأفكار ليس خدمةً للجمهور المتلقي، بل خداعاٌ له. حينها يُصبحُ في الأمر معركةٌ ما؛ لآن الجمهور الذي يحاول خداعه، بخلاف ما يعتقد بأنه غير ناضج، إنما هو ناضج بما فيه الكفاية ليوازن بين الأشياء ليعلم أي نوع من “المرتزقة” هو هذا المثقف الذي يحاول خداعه؛ وحينها تزيدُ القطيعةُ بين المثقف والناس، فلا يكونون بحاجةٍ إليه للكذبِ عليهم.
المثقف يحاكمُ من خلال مواقفه في قضايا معينة، هكذا كان نهج محاكمات أو خلاصات إدوارد سعيد في وضع أو تحديد معايير المثقف، وهكذا فعل باسكال بونيفاس حين تحدث عن “المثقفين المغالطين” في فرنسا، في كتاب حمل نفس العنوان (ط1، دار ابن نديم، الجزائر) وهو الذي يعرفُ عنه أنه مهووس بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فكثيرٌ من محاكماته لمثقفي فرنسا سواءٌ أكانت لإعلاميين أم لكتاب أم لنخبة مجتمعية كانت مبنيةً على أساس مواقفهم من قضايا مهمة من بينها القضية الفلسطينية.
في الجزء الأول من رواية سيمون دو بوفوار “المثقفون I ” تقول الطبيبة: “لم يكن هدفي منح مرضاي راحةً داخلية مخادعة. سعيتُ لأحررهم من أوهامهم الحميمية، لأجعلهم قادرين على التصدي للمشاكل الحقيقية التي تعترضهم في حياتهم. كلّما نحجتُ في مهمتي، اعتبرتُ عملي مفيدا، المهمة شاملة وتتطلب مشاركة الجميع: هذا ما فكرت به البارحة. لكن هذا يفترضُ أن لكل إنسان عاقل دورا يضطلع به في مسار التاريخ الذي يقود البشرية نحو السعادة.” (ص 127, ط1, 2009,دار الآداب)
والسؤال الكبير الذي يظل مفتوحاً برسم إجابة ضمير المثقفين: هل الالتزام بالقضايا الوطنية هو التزامٌ صادقٌ، مبني على مبدأ النزاهة الثقافية التي يكون فيها الالتزامُ من أجل أسباب عُليا أم أنه إجماعٌ على الخيانة المبررة. 
 
الحدث

 

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

تمخط طوني خليفة فضرط زياد نجيم في المشهد

إن لكل عمل أو فعل نقوم به غاية، هدف، مغزى، معنى، وإلا ما قيمة ما …