آخر المقالات
الرئيسية » رصاص حي » صباح الخير أيتها الغابة!

صباح الخير أيتها الغابة!

زيد قطريب | “صباح الخير أيتها الغابة”، بهذه العبارة، ختم سعدي يوسف مقالاً عن بؤس الثقافة والإعلام لم تنجُ من سهامه العديد من الصحف اللبنانية والعربية، وكانت المشكلة دائماً في تحول المنبر إلى ملعب شخصي وجملة علاقات عامة تدفع إلى واجهة المشهد أولئك القائمين على تحرير الصفحات وأصدقاءهم الذين يسوّقون كسوبرمانات للإبداع في العالم العربي.. تحدث سعدي عن “شعراء فاشلين، احتكروا الصحافة الثقافية ووضعوها تحت تصرف أهوائهم، بوقاً لهم ولأتباعهم”!.

ورغم أن الحديث تركز على الصحف اللبنانية والعراقية بالإضافة إلى الحياة اللندنية، إلا أن سعدي أكد أن الحكم ينطبق أيضاً علىالصحف في مصر والسودان ودول المغرب العربي، في مقاربة جريئة بررها سعدي بالقول “علي أن أحكي للناس، والرائدُ لا يكذب أهلَه”.

غابت الصحف السورية عن هذه المكاشفة التي جلعت صاحب “الساعة الأخيرة”يذكر أسماء بعينها اتهمها بالسطوة وتسويق الهشاشة الثقافية المرتبطةبكون المشرفين على التحرير شعراء فاشلين وليسوا نقاداً حاذقين،يقول سعدي: كان الكاتب الشهير غراهام جرين مقرباً من صحيفة التايمز لكنه ظل مسهماً لا قائماً بالتحرير!.

لسوء الحظ، غابت الصحف السورية عن مكاشفة سعدي يوسف، رغم الحاجة الشديدة إلى قلم “لا يكذب أهلَه” أيضاً فيما يخص جرائدنا ومنابرنا المختلفة ورغم أن الحال العربي من بعضه تقريباً، فإذا كان السكافي اللبناني حافي، فإن أبواب النجار السوري مخلعة في أضعف توصيف، والحديث طبعاً فيما يخص الصحافة والإعلام!. في هذا الفضاء، لم يكن غريباً أن تنشر منذ أيام إحدى الصحف السورية العريقة تاريخياً خبراً يخص الدراما السورية على صفحتها الأخيرة مسروقاً حرفياً من صحيفة الحياة اللندنية التي نشرته قبل أسبوع أيضاً، كذلك الأمر، فإن ورود عنوان في رأس إحدى الصفحات الثقافية السورية من شاكلة “الزجل السوري نشأ من الموشحات الدينية السريالية” لا يبدو غريباً هو الآخر، فالفارق بين “السريانية” و”السريالية” كان أكبر من حرف عابر في سجل الثقافة المطبوعة باستسهال أو كيفما اتفق.. ما يمكن الحديث عنه في هذا الإطار كثير جداً، وهنا نحن أمام توصيف جديد يمكن إضافته إلى ما سمّاه سعدي يوسف بالشعراء الفاشلين المسؤولين عن المنابر، وهو انعدام المعايير المهنية وتحول الكثير من الإعلاميين إلى موظفين يقومون بأعمال السكرتاريا والاستيلاء على أنباء الوكالات دون ذكر المصادر كما تفترض التقاليد الصحفية وذلك من أجل الحصول على العائدات المالية فقط!. اللافت هنا، أن الحكومة السورية تدفع ثمن الخبر التي تبثه الوكالة الوطنية للأنباء “سانا” عدة مرات، فالصحف بنسخها الورقية ومواقعها الألكترونية تقوم بإعادة نشر هذه الأخبار بلا تعديلات تذكر ما يعني إسرافاً في المال العام لقاء بضاعة أي “أخبار” مدفوعة الثمن عدة مرات، ولو أن هناك مكاشفات حقيقية وشفافة للقوائم المالية التي تدفع لقاء نشر أخبار الوكالة الوطنية عدة مرات، لوفرنا الكثير من الميزانية التي يمكن توظيفها في مكان تطوير هذا الإعلام وليس في إطار تراكم الموظفين وأعباء من المدفوعات التي لا ضرورة لها عملياً!.

يمكننا أن نضيف هنا الكثير من تفاصيل الفساد الإداري المسؤول عملياً عن تردي الإعلام وعدم تمكنه من القيام بالكثير من مهامه المنتظرة في هذه المرحلة الخطيرة والمصيرية، فلا أحد يعلم بالضبط ما هي الحكمة من وجود موقع ألكتروني لكل صحيفة مطبوعة، وبجانبه موقع ألكتروني للصحيفة المطبوعة نفسها؟. لماذا نبدو وكأننا ننفق أكثر بكثير مما ننتج؟. ولماذا يغيب الاختصاصيون عن المشهد مقابل حضور المحسوبيات وضعاف الخبرة؟ كيف يمكن أن يُسموا صحفيين من لم يسبق لهم كتابة موضوع لافت في حياتهم، وربما بعضهم لم يكتب على الإطلاق؟. ألسنا بحاجة إلى قيم معيارية شديدة وصارمة وصادقة من أجل إعادة توصيف هذا المشهد بالدقة المرجوة؟.

الآن، ستهرع كل طرابيش الصحيفة مع مقصّات المراقبين من أجل إلغاء هذا المقال الصغير والمكتوب بوجع وحب، لكننا في كل الأحوال لابد أن نكتب ما يجب أن يُكتب.. فالرائدُ لا يكذب أهلَه.. كما قال سعدي!.

شاعر وناقد سوري | خاص قلم رصاص

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

مصلوبٌ على باب الرقة

(1) في بلدتي يأتيكَ بالأخبار بائعُ الأحلامِ  والمناجلِ وسكَّاراتُ البليخ والحطّابات وتُشنقُ الطفولةُ دون أنْ …