الرئيسية » ممحاة » «ضمانات للتدجين»

«ضمانات للتدجين»

من يقرأ يا سادة؟ من يفاضل على الأهم والأجدى نفعاً في الوقت الحالي للثقافة الأهلية؟ خارطة التشوهات الحربية التي أورثنا إياها وحوش الموت على الأرض السورية توزع تقاسيم القلق فوق التغريدات والحالات والصور الإلكترونية، تستفز مشاعر البشر المكلومة وتشغلهم عن إكتشاف طرق جدية في إيقاف القتل المستفحل.

تبكي شاعرة على صفحتها الشخصية في النت فتصبح نصوصها استثناءً نقدياً، يبكي طفل على مسرح مسابقات أغاني الصغار فتتحول أنظار الميديا إلى لحظة الإنهيار والملايين يباركون الصعود الأخير للإبداع المعجزة!

يصور مراسل صفحة حوادث مقطع فيديو للعاصمة دمشق مع أغنية محطمة عن النواح والفقد والندم.. فتسقط عدادات مشاهدات الفيديو إلى مئات الآلاف!

أبناء الميديا والتواصل الإجتماعي يحقّرون الإنسانية ويلهون بمشاعر الناس من وراء الشاشات، وثقافة الكتب واللقاءات والجدل على الورق تتحول إلى مساحات إفتراضية عابثة، تهدم ما تبقى من إحساس بالمحيط.. بالإنفعال.. بالصوت والرائحة والعيون.

كلما زادت تهاليل الدموع والإنكسار في المشهد المصور.. في النص المكتوب.. في الجملة المسخ.. تحول أصحاب تلك الإبتكارات إلى امتيازات ثقافية في قمة صعود النكرات والمخبرين إلى الضوء بينما نتابع تصحيح مسار التغيير في مقابر الإنعاش.

سلطة مسلحة، معارضة مسلحة، وجيوش متطرفة، حلفاء كاذبون ينتظرون حصتهم من بلادي والحمقى يتبادلون فيديوهات تعزيز فوران إنسانيتهم على حساب حكم الدواب على حرية الكتابة والفن ونقد المجتمع المقطب بأمراض الطائفية والعنصرية والإقصاء الموروث أساساَ من جذور ثقافية تغذت على أصابع مقطوعة وألسنة ممزقة ودماء نبيلة لأقلام ابتلعتها مسننات الأقبية والرعب..

زمن التباكي على البلاد لن يعيدها إلى ما كانت عليه، مبادرات طلوع الضوء والمساعدة وخسى الجوع… وسواها من الأسماء المكشوفة تحت سترة التدجين لن تنطلي على التاريخ. محاولات جرّ الناس إلى صفوفكم السياسية تحت شرط الإعاشة، لن تخدعهم حتى لو كانت دموعكم هي فقاعات الصابون الذهبية التي سوف تنجيهم من رعبكم وقذائفكم وإغتيالاتكم المحتمة!

يدفع من بقي بعيداً عن (خلاط الضحايا) في الداخل السوري، فاتورة صبره من تخوين الخارج، بينما يهمّ في الظل، عدد لا بأس به من الأصوات المتوازنة في تناول محاولات جميع أطراف الصراع، اغتنام فرصة الفوضى، وتحويل العمل الثقافي الأهلي إلى نعوات بكاء ومراثي ومهرجات تقديس للبنادق وكرنفالات دراجات هوائية لـ(كتيبة التقارير)..

كاتب سوري 

عن عمر الشيخ

عمر الشيخ
شاعر وصحافي سوري. يعيش في قبرص. أصدر ثلاث كتب شعرية، وعمل في إعداد البرامج التلفزيونية والإذاعية والتوثيقية في سورية. يكتب في الشؤون الثقافية لعدد من الصحف والمواقع الإلكترونية العربية.

شاهد أيضاً

متعبون من فرط النوم.. راقصٌ على إيقاع الغياب.. ضياع أنت يا صوت القصب

وحدكَ تدْقُّ الأرضَ عصاك مغشيّاً على وضحِ المدى   لا رفيقٌ يردِّدُ معك شعارَ الجلسةِ …