آخر المقالات
الرئيسية » رصاص ناعم » أمس انتهينا
لوحة للفنان إسماعيل نصرة

أمس انتهينا

كان يوم من أيام شهر ديسمبر الباردة، كان الحي الذي استيقظ لتوه يعبق برائحة القهوة، وكانت موسيقى المطر تُعزف على زجاج النوافذ، وصوت فيروز آت كالحلم من أحد المنازل المجاورة:

“أمس انتهينا فلا كنا ولا كان يا صاحب الوعد خلي الوعد نسيانا
طاف النعاس على ماضيك وارتحلت حدائق العمر بكيا فاهدأ الآن
كان الوداع ابتسامات مبللة بالدمع حينا وبالتذكار أحيانا
حتى الهدايا وكانت كل ثروتنا ليل الوداع نسيناها هدايانا”

هاتفتك يومها، كنت مفعمة بالحياة، صاخبة، وممتلئة بالحكايات. أردت أن أروي لك أشياء كثيرة، أن أفرغ ما في جعبتي من أخبار وأن أشاركك آسفة قصة كانت قد انتهت بالأمس في المنزل المجاور. والأهم من كل هذا أن أشكر الحياة وإياك على حكايتنا المستمرة رغم كل الصعوبات.

جاءني صوتك البارد والبعيد بعد محاولات اتصال عديدة، مشغول أنت وستعاود الاتصال بي بعد قليل.
لم أنتظر اتصالك الذي أعرف مسبقا أنه لن يأتي، إذ لم تكن تلك المرة الأولى التي تختنق فيها حنجرتي بحكايات لن تحكى، وتموت الكلمات على شفتي قبل أن تولد.
لم تكن أيضا المرة الأولى التي تُجهض فيها فرحتي، ويغرس الحزن أنيابه في جسدي الغض، الذي يُسيل ملمسه الناعم لعاب الجراح الآثمة.

في صباح اليوم التالي، لم يستيقظ الحي من سباته، فغابت رائحة القهوة، واقتلعت العاصفة الغادرة كل النوافذ ليلا، فلم يجد المطر آلة يعزف عليها سمفونيته، واعتزلت فيروز الغناء، فعجزت كل إذاعات الكون عن بث صوت أخرسته صاحبته طوعا.
وأضيفت قصة جديدة للقصص التي كانت قد انتهت أمس في حينا… حيث إننا أمس انتهينا.

مجلة قلم رصاص الثقافية

عن سكينة هكّو

سكينة هكّو
كاتبة من المغرب، تحضر للدكتوراه تخصص جغرافيا. هوايتها الكتابة منذ الطفولة، تنشر في جرائد مغربية محلية وتحضر حاليا لمجموعتها القصصية الأولى.

شاهد أيضاً

مصلوبٌ على باب الرقة

(1) في بلدتي يأتيكَ بالأخبار بائعُ الأحلامِ  والمناجلِ وسكَّاراتُ البليخ والحطّابات وتُشنقُ الطفولةُ دون أنْ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *