آخر المقالات
الرئيسية » رصاص خشن » سقف الوطن (2)

سقف الوطن (2)

محمود السرساوي  |  

ربما بات من المضحك في حالتنا الراهنة العودة إلى نقاش التخوم بين المعرفة والإيديولوجيا وتجاوز مقولات العشيرة والطبقة والأهل باعتبار النقاش الأول يحتاج ضمن ما يحتاجه إلى وعي مدني في مقاربته على ضوء وقائع التطييف المذهبي والتطاحن الجارية الآن تحت عناوين أصولية الاتجاه عند هذا الفريق أو وذاك.

لكن هذا الأمر لا يعفينا من قراءة نقدية لسياقات العمل التنظيمي للضفة المقابلة وخاصة اليسارية منها باعتبارها تتجاوز إيديولوجيا الصراع باسم المذهب أو الدين بشكل عام على الرغم من أنها عمليا لم تستطع تحقيق هذا التجاوز في صفوفها ولا يمكن اعتباره سمة عامة من سماتها فغالبا ما يتم غض النظر عن نمو تيارات كهذه في صفوفها وتركها ضمن خليط تراه ضمن السيطرة في ظل مرحلة مشروع التحرر الوطني كما يقول اليسار الفلسطيني مثالاً.

إنما غالباً لا تذهب النوايا إلى مستقر لها في العمل السياسي إذ الطريق إلى جهنم مبلط بالنوايا الحسنة كما قيل، وليس صدفة أن تستعين أحزاب ما سمي باليسار العربي ومنه الفلسطيني بمنهجية ستالينية في علاقاتها الداخلية لأن البنية التنظيمية هي الأساس الداخلي الفاعل لحركة قواعدها ومعايير انضباطها واصطفافها خلف قيادتها وهي المؤشر إلى أفق تحقيق أو انجاز البرنامج المعطى أو تعثره. فنظامها الداخلي وطريقة التقويم والتقييم لكادرها تقوم في قدرته على الدفاع عن الموقف “المركزي” كنقطة أولى أي موقف القيادة المتجسدة بأمين عام هذا التنظيم أو ذاك، والتي تتناسخ حسب مشيئته جاعلا منها أقل فعالية وثقافة وعمل ورؤية وإن حدث عكس ذلك فثمة عملية ترويض قاسية اسمها المطاردة في لبوس المحاسبة التنظيمية والتي تؤدي في نهاية المطاف إلى اخراج المجتهدين أو طردهم من صفوف الحالة التنظيمية، مع عملية تشهير وقائية مكثفة تستخدم فيها لغة تعف النفس عن ذكرها ويقدر هذا الأمر بالتشهير حسب موقعها وتأثيرها، ولأن المركزية هي ضمانة البقاء والهيمنة حيث يتم احتكار القول والشرح   والمواقف ـ وهذه الإشارة ربما تحمل في طياتها ماذهبنا إليه قبلا من دمج متعمد بين القضية والزعيم أو ألأمين أو الأمير أو الرئيس ـ ففي الحالات جميعها ثمة ما يختزل الوطن والشعب في شخصه وموقعه، فالمركزي إينما يكون تتحدد معه الأولويات بعد أن توجته كذبة المرهم السحري الستاليني المسمى “المركزية الديمقراطية” وهي كذبة لا تحتاج إلا لتبرير بسيط اسمه “جدل العلاقة بينهما” ضامناً المركزي فيه باستمرار حزمة التصويت في جعبته قبل الدخول إلى أي مؤتمر انتخابي بحرتقات مختلفة تارة تحت اسم كفاءات بنسبة 35 % في مؤتمر عام مثلا من مجموع الأعضاء المصوتين وهذة الكفاءات في حقيقة الأمر هي حزمة أصوات في جيب المركزي إضافة إلى أن المستنسخين من دائرته بمكتبها السياسي ولجنتها المركزية وأنصارهما ممن يقولون نعم لكل ما يقوله يشكلون أكثر من النصف زائد واحد المطلوبة لإعادة تتويجه أي المركزيون فهم يحددون كل شيء مسبقاً قبل دعوة كوادرهم للحضور مع التأكيد على طابع كرنفالي لخطبة نارية تؤكد لابناء القضية قناعة قائدهم بعدالتها ويقولون لك نعم نحن مع حرية التصويت. وهذه هي مسرحية الديقراطية المعطاة في التنظيمات اليسارية.

والقواعد الضحايا غالباً ما يكونون من المغلوب على أمرهم إذ يكفي انزعاج أحد المركزيين من عضو ما، ليكون مرشحا لفقدان دوره ولقمة عيشه إن كان متفرغاً أو متعاقداً ولا مدخول عنده سوى “مخصص” التنظيم أو طرده من التنظيم في اسوأ الأحوال حسب ما يراه المركز أيضاً مناسباً، وربما لسنا بحاجة لذكر كل هذه التفاصيل للتأكيد على الوجه الاستبدادي للأحزاب اليسارية الذي يفتح الطريق طبعاً لأصولية من نوع مختلف تحتكر أيضاً الحقيقة وتحدد الصواب من الخطأ وتتخندق خلف ما يقوله المهيمن وهنا دعنا نعيد التوضيح بأن الهيئات تختزل بمجموعة أشخاص يعتبرون أنفسهم أولياء نعمة الكادر فكما الزعيم العربي يشخصن الوطن بنفسه كذلك هم فحضن الوطن هو حضن الزعيم وسقف الوطن هو سقف الزعيم.

شاعر وصحفي فلسطيني سوري ـ قبرص  |  خاص مجلة قلم رصاص الثقافية

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

مصلوبٌ على باب الرقة

(1) في بلدتي يأتيكَ بالأخبار بائعُ الأحلامِ  والمناجلِ وسكَّاراتُ البليخ والحطّابات وتُشنقُ الطفولةُ دون أنْ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *