آخر المقالات
الرئيسية » رصاص خشن » ماء الشام كدمائها… مسفوكٌ وحرام

ماء الشام كدمائها… مسفوكٌ وحرام

عامر العبود   |  

كيف ستملأ قدر الفول النابت؟ كيف ستمسحين المكياج عن وجهكِ الجميل؟ وأي شيء ننتظره الآن؟ بعد أن كنا ننتظر الشتاء، لوفرة الماء فيه، أيُّ حظٍ عاثرٍ هذا الذي بُليت به مدينتنا؟ وأيُّ جنونٍ هذا الذي أصاب البلاد والعباد وأولي الأمر ومعارضيهم؟.

هل مِن مزبلةٍ تتسع لكلِّ القصائد التي تغنَّت بالأنهار، والينابيع، والخضرة، والفيء، أمام عطشٍ مفروضٍ على الجميع؟ هل مِن مزبلة؟، هل مِن حاويةٍ تتسع لكل التصريحات، والتأويلات، والاتهامات، والوعود، والاتهامات المضادة، أمام كلمة (نبو) التاريخية؟، هل من حاوية؟.

لا ماء للغسيل، لا ماء للشطف، لا ماء للاستحمام، لا ماء لنبلل شفتي التاريخ القذر، شفتيه المشققتين كأقدام كافور، والكافرتين كوجه المتنبي، من سيهتف الآن بحياة القادة ولا ماء لترطيب الحناجر؟ من سيكبِّر الله الآن ولا ماء للوضوء، ولا تراباً طاهراً للتيمم؟

آهٍ يا حلب يا عطشى، وآهٍ يا دمشق، هبوا املؤوا هذا الكون صراخاً، فماؤكم مسفوحٌ، ودمكم مسفوكٌ، ويومكم لصٌ مدَّ يده إلى (الخرج) وسرق مستقبل أطفالكم، استحموا بالصراخ، حتى تنفجر أفئدتكم حزناً، وقهراً، وألما، ونظفوا مؤخرات أطفالكم بالجرائد المحشوة بالمبررات، وبالقرارات الصادرة عن الدوائر والمربعات، وابصقوا دماً بوجه الغيلان الذين ابتلعوا أحلامكم بلا شفقة، ولا ماء ليغسلوا وجوههم من دمائكم.

لا شيء يداني عطش شعبٍ بأكمله!، ولا حتى كل انتصارات الكون وانكساراته قادرة أن تجعل من العطش أمراً اعتيادياً، ها قد اعتدتم على القهر، واعتدتم على الموت، واعتدتم أن يخرج طفلٌ ليلعب في الأزقة، فيعود إليكم ممزقاً كوجه البلاد، وتأقلمتم مع حزِّ الرقاب، وجلد الظهور عقاباً على ظهور غُرَّة أنثى، وحابيتم اللئام، الذين تدفقوا من كل حدب وصوب، كالجراد ليأكلوا زرعكم، هل سيكون العطش اعتياداً يا بني أمي؟

أيتها المدينة اللئيمة، الحقودة، الناضحة بالغل، لم نقترف ذنباً أكثر من الصبر، لم نقترف ذنباً أكثر من الابتسام بوجه السنين العجاف، وهذه سابعها وقد أطلت جافةً، ماطرةً، لكن المياه مسفوحة، والدماء مسفوكة، ولا ماء لنلمِّعِ وجهكِ، لا ماء لنبتلع الإهانة، ولا ماء لنغسل يدنا من الأمل.

ليتني كنت بجراً لأرمي بنفسي عليكِ، ليتني كنت قِربةً لأحمل ماء النيل في عينيَّ، وأسكبه في أفواه أطفالكِ، ليتني كنت غيمةً عاقلةً تُسقِط قطرةً في كلِّ فم، ليتني كنت تراباً طاهراً على الأقل للتيمم!.

لا ماءَ لقهوتكِ صباحاً، ولا ماء لنغسل جثتكِ كل مساء، لا ماء!!!.

كاتب سوري ـ الخرطوم  |  خاص مجلة قلم رصاص الثقافية

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

مصلوبٌ على باب الرقة

(1) في بلدتي يأتيكَ بالأخبار بائعُ الأحلامِ  والمناجلِ وسكَّاراتُ البليخ والحطّابات وتُشنقُ الطفولةُ دون أنْ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *