آخر المقالات
الرئيسية » رصاص خشن » “يا سارق مني مكاتيبي !”

“يا سارق مني مكاتيبي !”

عامر العبود  |

ضاع ذلك الزمان الذي كنَّا نثق فيه بما نقرأ ونسمع ونرى، ضاع مذ سطا همام حوت على عقل محمد الماغوط دون أن يرفَّ له جفن وسرق منه مسرحية المهرج بعد أن (سخطها) دون أن يشار إليه بإصبع، ثم صار الناس يقولون “مسرحية همام حوت تبع أنا الذي بخشها!!”، وضاع مذ سطا همام حوت أيضاً على خروج عادل إمام عن النص في مسرحياته، وضاع أكثر عندما بدأت السينما المصرية تعيد إنتاج أفلام هوليود ويتبجح كاتب الأفلام بعظمة فكره وعقله، ومن لم يعلم كم ضاع منَّا ذاك الزمان فليعد إلى تحقيق الزميل فراس الهكَّار عن الشاعرة ساندي التي لملمت قصائدها من الفيس بوك وتكالب النقاد ليتحدثوا عن براعة قلمها وفرادة إحساسها، فإذا بها ليست شاعرة، ولا من ديوانٍ مطبوع، وآخرها أنَّها ذَكرٌ يجيد استخدام الفوتوشوب ويعرف أي شبقٍ يسكن الأدب في عصر لا يميزه إلَّا الشبق!.

وكان السارق يخفي وجهه ويرتدي قناعه كي لا يلتقطه صاحب الحق، أو يسطو السارق على حق مات صاحبه ومات عارفوه فيكون بذلك مجدِّداً وثائراً، لكن حتى هذا الحياء ضاع، فصار السارق لا يستحي أن يأخذ الرغيف ساخناً من الفرن قبل حتى أن يغفل الخبَّاز عنه!.

منذ سنة تقريباً بدأت ظاهرة (اليوتيوبر) تأخذ حصة أكبر من الإعلام الخصيِّ الحديث، عندها تعثرتُ آسفاً بشابٍ أردني يقدم مقاطع نقدية بأسلوب مميز، كان يصرخ ويشخر وينفعل حتى يشدَّ شعره، أعجبني حماسه وتعصبه للمواضيع التي يطرحها، سنة كاملة وأنا أتابعه بشغف، ليس لقيمة ما يقدمه بل كنت أترقب فيه نمطاً مختلفاً من الصراخ الذي ضاع مع صراخ السارقين الأوائل، “وفجأة” انهار مشروعه فوق رأسه بعد أن اتضح أنَّه سرق كل شيء، كلَّ شيء يعني كلَّ شيء!.

أحمد مسَّاد هذا سرق الفكرة والشكل والمضمون، قلد الوجه والحركة والكلمة، وكأنَّه كان يدبلج فيديوهات الشاب المصري هاني مصطفى، تقليداً لا يمكن أن نسميه إلَّا سرقة كاملة، لكن تخيلوا أنَّ الأمور إلى هنا ما تزال مقبولة وممكنة!، أمَّا الأدهى فهو أنَّه لطالما دافع عن (شخرة الثور) التي سرقها واستفاض في الحديث عن الحريات الشخصية وأنَّه حرٌّ يتشقلب أو يشخر أو يفعل ما يشاء (واللي مش عاجبو لا يتفرجش)، بل وأعد فيديو مع آخرين انتقد فيه المتابع السلبي الذي يشتم ويسب!.

أخيراً؛ المصري الذي أدرك بدوره شبق العصر فملأ الأسماع بالشتائم الخليعة ليجني ما يجنيه، خرج عن صمته بعد محادثة عنصرية بين السارق والمسروق، هل خجل السارق من فعلته؟ هل فكر للحظة باحترام متابعيه والكفِّ عن النفاق والتزوير والكذب؟ هذا ما لم يحصل، بل قام بتدبيج خطبة عصماء خلط فيها الحابل بالنابل ليكون هو الضحية، وكلُّ من قال له أنَّه سارق ومنافق هو الجلاد، انقلب السارق على الجمهور الذي يحبطه!، وانقلب على المجتمع الذي لا يتسامح مع السارقين، نحن الآن في قفص الاتهام والقاضي هو السارق! هكذا ضاع الزمن.

ليست القضية قضية فلان وعلَّان… إطلاقاً، إلَّا أن هذه الأحداث أصبحت مثيرة للضحك، من جهة نقع كلنا تحت تأثير متلازمة المتنبي – كافور، حيث نجد من كان بالأمس يلحس رجل الخليفة ويعلمنا أصول اللحس قد صار اليوم كبير المعارضين! ويعتقد أن اعترافه بذلك يكفي ليعفيه من مسؤولية العبث بعقلية جيل بأكمله وتأليه القائد الواحد الأبدي والسرمدي ووضع أصول اللحس والتدليك وقواعد الموافقة والتسليم!، كما نجد من كانت تفدي القائد بالروح والولد وتدعو له بكرة وأصيلا قد هداها الله إلى القبلة فجأة وأصبحت بيضاء اليد وفي فمها لسان الشعب كله تتحدث باسمهم بلا خجل!!!، ومن جهة ثانية صار السارق هو القاضي، فإذا أشرت له ببنانك عضَّها، وإذا أشرت له بسرِّك فضحك!. 

ضاع ذلك الزمان الذي كان السارق فيه يتوارى عن الأنظار، وإذا أمسكوا به ربطوا الأجراس بمؤخرته و(جرَّصوه)، ضاع الزمان الذي كان فيه الكاتب يغلق باب الغرفة ويكتب دون أن يستعين بجوجل!، وضاع الزمان الذي كانت فيه الشخصيات العامة تتحمل مسؤولية ما تفعله!، هذا زمان إشارات التعجب!!! وألف رحمة لمن اخترع إشارات التعجب! فإذا قتلنا العجب وجدنا (!) كافية لتكون كفناً.

كاتب سوري ـ الخرطوم  |  خاص مجلة قلم رصاص الثقافية

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

مصلوبٌ على باب الرقة

(1) في بلدتي يأتيكَ بالأخبار بائعُ الأحلامِ  والمناجلِ وسكَّاراتُ البليخ والحطّابات وتُشنقُ الطفولةُ دون أنْ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *