الرئيسية » رصاص ناعم » مواء القطط

مواء القطط

فاديا عيسى قراجة  |

قبل ليلة العمر بيوم واحد، وسّدتني أمي حجرها، قالت وهي تمسح على شعري:

– هي جملة واحدة قالتها جدتي لأمي وأنا أنقلها لك:

“المرأة أول ولادتها شؤم..

يرقة – طفولتها فرح..

فراشة – شبابها متوحش..

قطة – شيخوختها أنين.. بومة..

 وما بين يرقة وبومة يركض الرجال كالمجانين كي يتلبسوا بها كيفما تكون..

أمسكتْ رأسي بكلتا يديها ورفعته حتى أصبح ملاصقاً لوجهها, غرزت نظراتها في يباس ملامحي علها تستنبت حقولاً من المعرفة وأكملت:

– غداً ستدخل حطاباً، تفترع شجرة.. وتصهل حصاناً, ترعى مرجاً.. وتنقضُّ نمراً, تفترس لحماً وتجري دماً..

هل استوعبت الدرس يا ضياء القلب؟

عندما لجأتُ إلى فراشي في آخر ليلة أقضيها عازباً.. تسللت كلمات أمي مثل النعاس.. قفزتُ عن الفراش مبهوتاً.. إذا كانت المرأة في ثورة شبابها قطة فماذا سأدخل معي قبل دخولها؟ أليست القطة هي مفجرة الرجولة في الليلة الأولى؟

 ألم تقصّ أمي حكاية ليلتها الأولى مع أبي برفقة قطة مقطوعة الرأس وقد اختلط دم القطة مع دمها الذي أثبت فحولة أبي وعفاف أمي؟

خجلت أن اسأل أمي وتركت لها أمر اختيار القطة.. ولكن ماذا لو أدخلت فأراً.. القطط تلتهم الفئران..

امتلأ البيت بالزغاريد.. كنت أختلس النظر إلى قطتي.. لقد لمحت شارباً أشقر يهتز فوق شفتها المكلثمة المطلية بأحمر قان.. مسحتْ عليه بمخالب تقطر منها دماء ضحاياها… إنها تنظر نحوي مكشرة عن أنياب بيضاء..

كيف سيغلقون الباب علينا؟ ماذا لو التهمتني؟

أمي تضغط على يدي.. فقد أحست بأنني كنت أنوي الفرار لأن دروسها تبخرت من رأسي.. لا أريد أن أموت بين المخالب والأنياب..

قطتي الشقراء عقدتْ ذراعها بذراعي.. ومشت خطوة قصيرة وهي تنتظر مني المبادرة.. مشينا على أنغام الموسيقى الصاخبة, ووقع كوؤس الخمر ومجون الأجساد الراقصة..

أُغلق الباب دوننا.. القطة لا تنكس رأسها إلا إذا كانت تفكر بطريقة مثالية للانقضاض, تتكبد خلالها أقل الخسائر..

هي ما زالت تتمسح بالباب.. وأنا أحصي تحركاتها وأنفاسها.. يا لذاك الصدر الناهد.. أنفاسها تجعله مثيراً في الانخفاض والارتفاع..

كلانا يدور في حلبة الصراع بانتظار شارة البدء وكل منا يتحسس أسلحته إنها تقترب…يحفُّ ثوبها الأبيض بالأرض ويصدر آهاتٍ شبقية مثيرة.. تنزع طرحتها.. تهيْجُ في الغرفة روائح عطرها مختلطاً مع رائحة شوقها وخوفي..

احتكت بي وهي تجلس على طرف السرير.. رفعتْ رأسها نحوي وعيناها تستغيثان بشوقي.. أمسكتْ يدي، ضمت أصابعي بكفها.. ثم انزلقت أصابعها وقد تحررتُ من لدونتها، اشتعل أزرقُ عينيها بضراوة، وكأنها تنتظر مني شيئاً..

يا للقطط..

قالت أمي: القطة بسبعة أرواح.

كم مرة ستقتلني وتعتلي قبري، كم مرة ستبحث عن شريك آخر يخمد مواءها؟ أي روح من أرواحها السبعة ستهواني، وتذكرني، وتنساني؟

ماذا تفعل؟ لقد مدت أظافرها إلى ربطة عنقي.. حاولتُ منعها لكنها ابتسمت مكشِّرة عن أنيابها، وتابعت عملها حتى 

حلت الربطة ورمتها جانباً، ومعها الجاكيت التي انزلقت دون صوت على الأرض.. يا إلهي إنها تفك أزرار قميصي !!

حدقت بي.. هرولت عيناي فوق مرجها المرمري.. وتوقفت فوق روابيها البيضاء.. إنها تنزع ثوبَها.. ثوبُها يتكوم ككرة ثلج تذوب بالقرب من لهيبنا..

صوت زئيرها أرهق أعصابي.. ماذا سأفعل؟ كيف نسيت أمي أن تقول لي بأن القطط عندما تنزع فروها سيخرج منجم ماسي من فانوس جسدها يبهر أبصارنا ويخلب عقولنا، ويهتفُ بلوعة (شبيك لبيك جواهري بين يديك)؟

كم أنت مسكينة يا أمي..هل أخبرك بان قطتي جردتني من فروي كما تجردت هي.. وقد أمضينا ليلة طويلة مجردين من كل شيء ما عدا المواء.

 كاتبة وقاصة سورية  | مجلة قلم رصاص الثقافية

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

متعبون من فرط النوم.. راقصٌ على إيقاع الغياب.. ضياع أنت يا صوت القصب

وحدكَ تدْقُّ الأرضَ عصاك مغشيّاً على وضحِ المدى   لا رفيقٌ يردِّدُ معك شعارَ الجلسةِ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *