آخر المقالات
الرئيسية » إبــداع » اسمي حمصٌ قلبي بردٌ

اسمي حمصٌ قلبي بردٌ

نضال بشارة   |

هل ستعذرُ ساحة الشًهداءِ

 وهي في حنينٍ لموج كالتوتِ!

ساحة باب تدمُرَ،

لأنها استكانت لكبوةِ

(بسطات) خميس الحلاوة،

ولتوكؤ حجارة مقهاها

على حزنِ ياسمينة كالبهاء؟

لعلّ كل حجرٍ غفا على كتفِ شقيقه،

فانتشى بركام الذكريات

يعقدُ اجتماعات سرّية

لصناعة حلاوةٍ تغدو أهراماتها،

ورديّةً بلون وجوه أطفالٍ

زاحمتْ القديسين في الأيقونات،

بيضاء كقلوب أمهاتٍ،

رسموها في آخر كرّاسٍ للحبِّ،

قبل أن يرتحلواااا؟

فلا تعتَبْ يا حيَّ (الحميديّة) على أشقائك،

مهما امتشقك الحزن و(فَرْفَطَكْ).

– لا حيّ ولا زقاقَ في خيمة التعزية-

لا تعتَبْ

فكلّ جيرانك، خوابي أزمنتهم،

تحطمت.

لا تعتَبْ.

مهما ظلّت مساكنك

كأبراجِ حمَامٍ،

وكنساءٍ مستباحات.

وطُرقاتكَ نحو الأبواب السبعة،

ممزقة سراويلها.

أصحاب حوانيتك،

تتواتر أسهمهم في بورصة الغياب.

ورائحة اللّبن البلديّ والتوابل،في بعضها،

ما تزال لذيذة كالطفولة

وزحمة الأعياد.

( المخبز الفني ) يضحكُ علينا،

المخبز ما احترق، بل قلوبنا صارت سوداء.

مئذنةُ (الدالاتي)

عبثاً كنّا نحاول بمعيّة حنّا

لمسَ عُرَبِ مؤذّْنها

أو قطفَ فُسحات عشقه.

وحنّا – كعادته- لا يبخلُ علينا

بقعدات محبة تضاهي صحبة الأنبياء

نُعتّقها، نُنْقِدَها لأنفسنا

(خرجية) في أعيادٍ

لم تعد تضحك!

مئذنة (الدالاتي) ما انهدمت،

انّحنت على ظهر حوانيت بقربها،

تسألها أسباب الحرب الغبيّة،

وأسطورةَ رصدٍ جديدة.

تعتذرُ من الأرّزة وديع الصافي

أنْ يؤسفنا: الحربُ لم تُسعِفنا

بتقاسيم حزنٍ تليقُ بمقامِ قلبك.

صوتك المعشش في كنيسة سيدة السلام

لم يردع القذائف عنها!

ما يُهيأُ لكم أنه هُدمَ،

على كتف جاره،اتّكأ،

ليؤنسه في ظل غياب الأحباب،

مَنْ عَبقت بشجاراتهم العائلية

الجدران والشرفات،

وتفسّختْ شوقاً لعبارة

( ع راسي حارتك يا طيّب )،

ولظنون الآخرين عن يوم الأربعاء،

لمسابقة أجمل طرفة،

بطلها مجذوبٌ،

ينسجها مع كأس أُلفة، أناشيد الميلاد.

يغتسلُ في شرفتها من يشاء.

لا تعتَبْ.

لم يعد (أستديو الأهرام) يوثّق فراشات بهجتنا.

مدرسة الطفولة جثة متفسخة،

دروب التلاميذ إليها كيف ستخضّرُ؟

دون صهيل نايٍّ أو قمر!

لا تعتب.

( بستان الديوان )

 ليس فيه صوت مراهقةٍ

كانت بالأمس تحتّفي بميلادها،

في  كافيه ( بلوستون )

وترقصُ مثل شاكيرا.

لوحات جبيلي في مرسمه

لم تعد تسقينا خمر المودة

في أماسٍ كقلبه.

ولا الجوديُّ يتلو قصائده

لتسوّر أرواحنا

بالأمومة ونقش الحبق.

ولا عبدُ القادر

يُسلمنا قلبه المفرد في قصيدة

فنغزلها شمساً وأسئلة من وئام.

ولا شارع  ( الأُظُنْ )

يبتسمُ لظلِّ الكوميديان نبيل خزام.

أو يقف في نواصيه،

كلما أنهت الشمس كرنفالها،

مراهقون يصففون أوهام ذكورتهم،

ولا صبايا تزهو بفتنتهن

وتسبّيح أنوثتهن

بتحيّة ( يسّعدلي الله الحلو).

(عدّاوية ) النّوّال إبراهيم

لم يعد يتردد صداها:

(شابْ شَعَرْ الراس لِينا

وشْربنا من الكاس كينا

شو هالصدمة القويّة

على حيّ الحميديّة

يا صبايا الحيّ نّوحو

وبمحارم سُودْ لُوحو…..)

نرددها لعريس ماتَ بعد زفافه بأيام!

هل مُتَّ وحدكَ يا عمّ إبراهيم الدعبول

أم أخذت معك ( العدّاوية ) والمشيعيين؟

ليس لدى الحمصيّ من يُراسله!

كل بريده: جثثٌ، نزوحٌ، مخيمات،

هجرةٌ، تشردٌ، معوّقون،أرامل، يتامى،

خيمُ تعزيةِ لجميع الأطياف!!

كيف؟ وطفولتنا مسيّجةٌ

بمدائح عيد المولد النبوي:

(حمص يا دار السلام…..)!  

هل اكتنزوا في دمهم عشبة أو وردة؟

لا تعتَبْ.

وبيوتٌ من شارعٍ ازدهى

باسم الشاعر ( ديك الجن)،

مضتْ على كاهل وحشتها تسأل:

هل كان يدري ابنُ رغبانَ

في مَيُّماسِ صحوته،

أن  ( مار إليان الشّافي )

ينحل قصائده ويُشفي بها المرضى 

من قبل أن يكتبها؟!

ويغضُ الطّرْفَ

طمعاً بكؤوس وطنٍ مُعَشّقْ.

أو يَذْكرُ أنه درّسه إياها بمدرسة ( إسحاقيان )؟

شاهَدَ معه مسرحياتَ أطفالٍ،

لَعِبَ في دير الآباء اليسوعيين،

شاغب بالألوان

تحت ظلال محبة الأب ( فرانس)،

واختبأآ في ضحكة عيني مَنْ ظلَّ اغتيالهُ لغزاً!.

اصطحبه لجولة في ( سوق النسوان )،

ليراقص وجوه أمهاتٍ،

وملكات نحل في دمها،

تُعدّ لِبَنَاتها طرحة العرس.

يشتري له قليلاً من المسّكَةِ الملوّنة،

بقوافٍ جليلة.

في آذار يشتري له

باقات النرجس والبنفسج،

مزنّرةً برويّ قلوب بائعيها،

من ساحة الساعة العتيقة،

تضجّ بالآسِ كل خميسٍ

لحوارات محبة فوق أضرحة باردة،

يضاهيها حضن البلد!.

كَتَبَ على شاهدة إحداها، شابٌ سكران:

هل هنأَتْ روحَك يا ابن رغباااان

وأنتَ عبدٌ للسلاااام،

حتى تهنأ روحَنا؟

هل فقدنا خريرها للأبد،

وكانت مطرزةً بآذانِ وردٍ

وبضعَ نوافذْ؟!

وهل سنَسْمُو جنائن مليئة بضحك الأطفال؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( حنّا عبود: ناقد أدبي ومترجم. بسام جبيلي: فنان تشكيلي. حسان الجودي: شاعر، عبد القادر الحصني:شاعر. من أبناء حمص القديمة)

شاعر وصحفي سوري  |  خاص موقع قلم رصاص الثقافي

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

سرابٌ بطعم الوطن

دَعُوهَا ليّسَ لَهَا مُسْتَقَرٌّ في ظلال ِ الياسيمن سرابُهُم في كفِّه وطنٌ التيه: هل من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *