آخر المقالات
الرئيسية » نقار الخشب » من تفجيرات دمشق إلى ثلوج بلاروسيا … حكاية صعود إلى القمة

من تفجيرات دمشق إلى ثلوج بلاروسيا … حكاية صعود إلى القمة

ميرنا رشيد   |

ما زلت أذكر لقاءنا في ذلك اليوم الصيفي من عام 2011، في مقهى الروضة في دمشق، عندما كانت تلوح أولى بدايات حرب، اتفق السوريون جميعاً على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم، أنها تعويذة شر. ربما لم نكن نعرف حينها أن المسافات ستحول بيننا، وأن لقاءنا هذا هو الأخير، حتى تمُنّ علينا الظروف بلقاء آخر. فبعد عام من ذلك، يقرر ضياء الشيخ، طالب قسم اللغة الإنكليزية آنذاك، والمجبول بحب السينما والمسرح، أن يرسم مساراً آخر لنفسه. ذلك أن الصعوبات التي فرضتها الحرب في تلك الفترة، جعلت الكثير من السوريين يقفون في مواجهة مباشرة بينهم وبين أنفسهم.

وضعتهم أمام تساؤلات خلّفت في نفوسهم شعوراً بالخوف والضياع أحياناً، وقراراً بعدم الاستسلام في أحايين أخرى. فبين رغبتهم في أن يكونوا فاعلين في مجتمعهم لا حياديين، ويقينهم أن تحقيق رغبة كهذه يتطلب منهم البقاء على قيد الحياة، كان لابد لهم أن يحملوا في ذاكرتهم ما تبقى لهم من وطن، وأن يحلّقوا في فضاء آخر خارج حدوده.

وهذا ما حدث مع المخرج المسرحي، ومؤسس فرقة أدونيا لفنون الأداء، ضياء الشيخ، الذي شهد من منزله الكائن في جرمانا بريف دمشق، تفجير سيارة مفخخة، عام 2012، حصد معه أرواح العشرات من المدنيين. حينها فقط، أحس أن الموت أصبح على مقربة منه، لا يفصله عنه سوى التوقيت الخاطئ ربما، أو سوء حظ عاثر.

“شعرتُ أنني سأخسر كل شيء. لذا، كان لابد من الرحيل، لكي أحافظ على ما صنعت من إنجازات.. لا أعرف، أريد الاستمرار، إنها غريزة البقاء”. بكلماته هذه يسترجع أحداث سنوات عاشها في دمشق، قبل أن يتخذ من بلاروسيا “بلاد الثلج” وجهة أخرى لأحلامه، تاركاً وراءه تعباً مضنياً، وجهد سنوات كثيرة، تجسد بمجموعة من الأعمال المسرحية والراقصة، ومكانة يُحسد عليها في الوسط الفني. لم يكن في نيته البقاء هناك كما أخبرني، فهوى دمشق ما يزال يشده إليها، والغربة ثقيل حملها، في بلاد صار فيها السوري مجرد حزام ناسف، أو قنبلة مزروعة هنا وهناك، لقتل الأبرياء.

هكذا، لم يكن طريق ضياء الشيخ معبّداً أمامه، وأصبحت فكرة إثبات الذات، في خضم تقلب وجهات النظر الحاصلة تجاه أي سوري في بلاد الاغتراب، تؤرقه وتشغل باله ليل نهار، فيعبر عن ذلك بقوله: “أصدقكِ القول إنني كلما ألتقي شخصاً، أشعر أنه من واجبي أن أخبره أننا ما جُبلنا نحن السوريين على العنف والتطرف، وأن ما ترونه من قتلة وحملة سلاح على الشاشات، نحن أنفسنا لا نعرفهم”.

كان ذلك يزيده تصميماً بينه وبين نفسه، أن لا سبيل أمامه سوى التميز والنجاح. فكان له من الجوائز نصيب وافر، أثناء فترة دراسته في أكاديمية الفن الحكومية في بيلاروسيا، قسم الإخراج التلفزيوني والسينمائي، حيث نال شرف الحصول على جائزة أفضل طالب أجنبي، وهي المرة الأولى التي يتمكن فيها طالب “غير بيلاروسي”، من انتزاعها على مدى سبعين سنة من عمر الأكاديمية، وجوائز أخرى من عدة مهرجانات دولية، في لوس آنجلوس، ورومانيا، وروسيا، عن مجمل أعماله التي أخرجها خلال سنين دراسته.

لا تبخل عليه الفرص بمزيد من نعمها، فيكون له مؤخراً عملاً مشتركاً مع ممدوح حمادة، الكاتب السوري المعروف، في الفيلم السينمائي “ثمانون عاماً من الجحيم”. ويتمكن بالتعاون مع أخيه ماهر الشيخ، نجم “آرب غوت تالنت” في موسمه الثاني، من حصد ما يقارب المليون وثلاثمائة ألف مشاهدة، للفيديو المصور “ويسبر4″، والذي من خلاله حققا أول تعاون سوري مع شركة “فيفو-VEVO” الموقع الخدمي المعروف لاستضافة فيديوهات الأغاني المصورة والترفيهية.

ها هو الآن يتلقى عروضاَ عديدة، يتجنب الخوض في سرد تفاصيلها إلى حين صدور الاتفاق الرسمي بشأنها، منها ما يتعلق بعمل مسرحي على صعيد أوروبي، وأخرى للتصدي لإخراج عمل تلفزيوني عربي، ربما يكون النافذة التي ستعيده إلى بلاده. فعلى الرغم من أن سوريا من البلدان المعروفة بمحاربة الناجح حتى يفشل، وأن هجرة كفاءاتها ومواهبها، تعود إلى سنين خلت قبل اندلاع الحرب، إضافة إلى ظاهرة انتشار ما يسميه السوريون فيتامين “واو ـ ما يُعرَف بالواسطة”، فإن ضياء الشيخ لا يستبعد فكرة العودة، إذ يقول: “لا غنى لأحد عن بلده، وإن من واجبي أن أنقل الإيجابيات والخبرات التي تعلمتها في بلاروسيا، إلى أبناء جيلي…حبي لبلدي ليس مرتبطاً بما فيها من حسنات وسيئات، فأنا أحبها لأنها جزء مني.. لقد تركتُ فيها ست وعشرون عاماً من أحلامي وذكرياتي”. 

خاص مجلة قلم رصاص الثقافية

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

تمخط طوني خليفة فضرط زياد نجيم في المشهد

إن لكل عمل أو فعل نقوم به غاية، هدف، مغزى، معنى، وإلا ما قيمة ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *