الرئيسية » ممحاة » مليون سيلفي

مليون سيلفي

أعلن منذ فترة ليست بالبعيدة حزب اليمين المتطرف (pvv ) (حزب من أجل الحرية) في هولندا عن مسابقة للرسوم الكاريكاتورية تستهدف شخصية النبي محمد، وقد تبنى السياسي المتطرف زعيم الحزب خيرت فيلدرز هذه المسابقة وأعلن أن عدد المشاركات وصل إلى 200 مشاركة. يتبنى فيلدرز خطاب كراهية واضح المعالم ضد المسلمين، وله مواقف سياسية في غاية التطرف. إلا أنه في المقابل حصل على ترخيص رسمي لنشر هذه المسابقة، واُعتبر أنها تدخل في باب حرية الرأي المقدسة، التي يدعمها القانون الهولندي ولا يتواني عن معاقبة كل انتهاك لها.

وكان القانون الهولندي نفسه، قد برأ فيلدرز من خطاب الكراهية الديني 2011 ، وذلك بعد أن أنتج فيلدرز فيلماً سينمائياً يدعى( فتنة) يربط فيه بين القرآن والإرهاب.

السؤال الذي أراه مهماً، هل نشر رسومات مسيئة للشخصيات الدينية التاريخية هو صورة من صور التعبير عن الرأي أم هي خطاب كراهية دينية يجب منعه ومعاقبة مروجيه؟

حين نشرت الصحيفة الدانماركية يولاندس بوستن الرسوم المسيئة للرسول في عام 2005 كانت النتائج كارثية في العالمين الغربي والعربي، مظاهرات – اضرابات – حرائق للسفارات – جرائم قتل- حملة شتائم مقذعة – تهديدات سياسية – مقاطعات اقتصادية – سحب سفراء. غليان في الوجدان الإسلامي العام.

إلا أن الصحيفة الدانماركية حازت على جائزة أوروبية رفيعة المستوى عن حرية التعبير.

والآن ماذا سيحدث، بعد أن ينشر فيلدرز نتائج المسابقة الجديدة للرسوم الكاريكاتورية المسيئة، 

للرسول؟

لا يمكن توقع إلا تكرار ما حدث سابقاً، مع اشتداد الشتائم والتهديدات اللفظية والجسدية. هذا ما يتوقع أن يفعله الجمهور المسلم، وهو يعاين قلة الاحترام لشخصية الرسول المقدسة. الغريب في الأمر برمته، أن خبر المسابقة انتشر دولياً منذ شهور، وكان من أبسط الأمور وأقربها للعقل، أن يقوم هؤلاء الحكام العرب والإسلاميون مع جيوش تحريضهم الديني الذي لا يتقن سوى لهجة العنف، بمبادرة سلمية معبرة عن الرأي المخالف الذي سيقدمه الحزب المتطرف.

كان بالإمكان الدعوة إلى مؤتمرات دولية تقام في البناء الملاصق لمقر إقامة الحزب المتطرف، كان يمكن إقامة مسرحيات دائمة وأفلام سينمائية تدافع عن شخصية الرسول المقدسة. كان يمكن تجنيد عشرات الكتاب للكتابة في الصحف والمجلات الهولندية، كان يمكن شراء قناة تلفزيونية كاملة وتخصيصها لهدف التعبير عن رأي مضاد لرأي حزب pvv.

لم يحدث هذا، لن يحدث! فالثقافة العربية المعاصرة ثقافة ضجيج وشتائم وتهديد.

ثقافة وهمية تعيش في ذنب التاريخ، وإلا ماذا يعني أن مسابقة عربية تدعى شاعر الرسول تخصص مليون يورو سنوياً ثمناً لأوراق قصائد مكرورة منذ عشرات السنين، تمدح الرسول الكريم. مليون يورو كل سنة ! يا إلهي هذا رقم كاف لشراء ربع أعضاء حزب pvv ذاته.

ضجيج بلاغي، وهوس بالمندثرات. لا حوار لا جدال لا نقاش، طلقات رصاص في رأس كل معارض، أو سكين لذبح المخالف بالرأي كما تم ذبح المخرج الهولندي ثيو فان غوخ ٢٠٠٤ في وسط امستردام من قبل مسلم مغربي، بسبب الفيلم الذي أخرجه ثيو حول العنف الذي تتعرض له المرأة المسلمة بسبب النص المقدس.

شاعر وكاتب سوري  | خاص مجلة قلم رصاص الثقافية

 

عن د. حسان الجودي

د. حسان الجودي
شاعر وكاتب سوري، حاصل على إجازة في الهندسة المدنية من جامعة دمشق, ودكتوراه في الهندسة المدنية من جامعات بولونيا. عمل مدرساً في قسم الهندسة المائية، بكلية الهندسة المدنية - جامعة البعث. حاصل على جائزة سعاد الصباح للإبداع الشعري عام 1994 عن مجموعته مرايا الغدير.

شاهد أيضاً

مع إيميل سيوران

قيمة الكتاب بالنسبة لي كقارئ مرتبطة بقدرته على إثارة الأسئلة، وأهم الأسئلة هي تلك التي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *