آخر المقالات
الرئيسية » نصـوص » الغائب

الغائب

أوكتاڤيو پاث ـ ترجمة أسامة أسعد |

1

أيها الإلهُ النهمُ الذي يُغذِّيه أرَقي
أيها الإلهُ الجافُّ الذي تروي ظمأكَ الأبديَّ بدموعي،
أيها الإلهُ الخاوي الذي تدقُّ صدري بقبضةٍ من حجر، بقبضةٍ من دخان،
أيها الإلهُ الذي تتخلّى عني،
أيها الإلهُ القفرُ، الصخرة التي تغسلُها صلاتي،
أيها الإلهُ الذي تُجيبُ الإنسان المتسائل بصمتٍ بعدُ أكبر،
أيها الإلهُ اليابسٌ، إله العدم، يا إلهي:

دمٌ، دمُك، يقودُني الدمُ ويدلُّني.

دمُ الأرض،
دمُ البهائم ودمُ النبات الوسنان،
دمُ المعادن المتحجِّر، دمُ النار التي تنام في الأرض، دمُك،
دمُ النبيذ المهتاج الذي يغني حين يجيء الربيعُ،
أيها الإلهُ الممشوقُ والشمسيُ،
إلهُ البعثِ،
النجمةُ المتقدةُ،
الناي الساهدة التي ترفع نداءها العذب بين الظلال المُنهوية،
آه أيها الإله الذي يستدعي في الأعراس النساء الهاذيات
ويُرقِّصُ بطونهنّ الكوكبيّة وأردافهنّ الوحشيّة،
والنهودَ الساكنة والكهربائية
إذ تعبرُ الكونَ المذعورَ العاري،
والامتدادَ الجافَّ لليل المنهار.

دمٌ،
دمٌ يلطخُكَ أبدًا بأمجاد بربرية،
الدمُ المسفوك ليلة القربان،
دمُ الأبرياء والكفرة،
دمُ أعدائك ودمُ عبادك الصالحين،
دمُك، دمُ قربانك.

2

بك أعلو، أهبطُ
عبرَ ذُرِّيتي،
حتى بئر التراب
حيث يختفي نسلي في أنسال
أكثر قدمًا، بلا اسم،
أنهارًا عمياء في سهول من رماد.

بحثتُ عنك، أبحثُ عنك،
في الأمس القاحل، خنفساء العقل الدائري؛
في الأحلام المكتظة بنبوءات قاطعة،
وفي السيول السوداء التي يطلقها الهذيان:
الفكرُ سيفٌ
يضيءُ ويُدمِّر
وبعد البرق لا شيء
سوى سباق حتى اللانهاية
حيث نجد أنفسنا قبالة الجدار.
بحثتُ عنك، أبحثُ عنك،
في غضب اليائسين النقيِّ،
حيث يتجمَّع البشر ليموتوا من دونك،
بين لعنةٍ وزهرةٍ ذبيحة.
لا، لم تكن في هذا الوجه المتكسِّر إلى ألف وجهٍ متساوٍ.
بحثتُ عنك، أبحثُ عنك
بين أطلال الليل الخراب،
في جثث الضوء الهارب،
في الطفل المتسوِّل على الأسفلت، الذي يحلمُ بالرمال وبالأمواج،
لدى الكلاب الليلية،
ووجوهِ الغيمة والندبةِ،
والخطوات المقفرة لأكعاب تمشي في نومها.
فيَّ، أبحثُ عنك؛
هل أنت وجهي لحظةَ يمَّحي، اسمي الذي، إذ قيلَ، يتفتَّتُ، هل أنت غيبوبتي؟

3

كلمة التكوين،
تكوين الكلمة،
حجرٌ وترابٌ، موكبٌ،
خضرةٌ مفاجئةٌ،
نارٌ أبدًا لا تخبو،
ماءٌ يشعشعُ في كهف:
أنت لست موجودًا، لكنك تحيا،
تقيمُ في قلقنا،
في عمق اللحظة الخاوي
-يا للضجر-،
في العمل وفي العرَق الذي هو ثمرتُه،
في الحلم الذي يُنجبُ الجدار الذي ينهى ويمنع.
أيها الإله الفارغُ، الإلهُ الأصمُّ، يا إلهي،
أنت دمعةٌ لنا، تجديفٌ،
كلمةُ وصمتُ الإنسان،
برجُ البكاءات، عددُ الدم،
شكلٌ رهيبٌ للعدم،
عنكبوتُ الخوف،
قفا الزمن،
نعمةُ العالم، سرٌّ لا يُسبَر،
أرني وجهك الذي يحيلُ إلى العدم،
حتى أعودَ إلى التراب، إلى النار المدنَّسةِ.

مجلة قلم رصاص الثقافية 

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

مصلوبٌ على باب الرقة

(1) في بلدتي يأتيكَ بالأخبار بائعُ الأحلامِ  والمناجلِ وسكَّاراتُ البليخ والحطّابات وتُشنقُ الطفولةُ دون أنْ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *