الرئيسية » مبراة » نكوص مُزمن !

نكوص مُزمن !

إن حالة النكوص حالة طبيعية تصيب أي إنسان تحت ظرف معين أو ضغوطات مفاجئة قد يواجهها، هذا على الصعيد الفردي، أما على الصعيد الجماعي أو المجتمعي فهي تُصيب مجتمعاتنا بشكل أوسع وأوضح، أو ربما لا تُصيب غيرها، وهذا أيضاً طبيعي بما أن المجتمع يتشكل من مجموعة أفراد يعيشون معاً ويرتبطون بروابط مختلفة، مباشرة وغير مباشرة. وحُكمت هذه المجتمعات منذ العهود القديمة بشيء من الحزم، وفي كل مرحلة من مراحلها التاريخية كانت تمر بنكسة معينة إلى أن جاء الإسلام كدستور ناظم للشتات العربي بعد أن عجزت كل المحاولات الأخرى لتوحيد ذاك الشتات، مما أسس لدولة استمرت لسنوات قبل أن ينفرط عقدها مع أول خلاف على السلطة والنفوذ، وما تبع ذلك من ويلات وحروب واحتلال باسم وحدة الدين.

ما زالت تلك السنوات راسخة في ذهن الغالبية العظمى من العرب، خاصة بعد أن حاول القوميون تقديم القومية كحامل موضوعي لوجود الأمة واستمرارها ووحدتها، إلا أن مشروعهم فشل في ذلك فشلاً ذريعاً، لأنه في الأساس مشروع مستمد من الخارج وفق أجندة معينة كانت غايتها دفع العرب للخلاص من الاحتلال العثماني وتجهيز بلادهم لنوع جديد من الاحتلال يُبنى على الأسس القومية والعرقية.

فشل المشروع القومي، وتحول ما بقي منه إلى وسيلة للتكسب والاسترزاق وتشكيل رأسماليات جديدة، على أنقاض الاشتراكية البائدة، وكان من الطبيعي أن تعود المجتمعات إلى الفكر الإسلامي وتحتمي به، بل بات لدى الغالبية العظمى من الشعوب العربية قناعة تامة أن لا عز للعرب بدون الإسلام.. مستندين على أحاديث وأقوال كثيرة.

إن الشعوب العربية تتعلق بالماضي، وتمجده لذلك نجدها في كل نكسة جديدة ترجع إلى الوراء بدل أن تنهض من جديد هذه هي الحالة الطبيعية للبشر الذين يعيشون في مجتمعات خالية من العدالة، فكيف في فترة خلت فيها هذه المجتمعات من ضابطها الأساسي مهما كان شكله أو طريقة حكمه وضبطه لتلك المجموعات البشرية، وهذا يجعل حتى العلماني المتحدر من عشيرة والذي نعتقد أنه بعيد كل البعد عن هذه المنظومات التي يعتبرها بدائية ورجعية، يهرول في لحظة الانكسار  إلى قبيلته وعشيرته ويستنجد بها حتى وإن كان ذلك لفظياً، إذن هي محاولات للتعويض، وهذه المحاولات تجعلنا في حالة نكوص مُزمن، تُصيبنا كلما شعرنا بالهزيمة والظلم، لذا يبدو أن عجلتنا ستبقى تدور نحو الخلف كلما عرضت طريقها حصاة، بل صار حرياً بنا أن نمنح الفعل كان مرتبة الكمال، لأننا ومنذ أكثر من عشر قرون نستخدمه أكثر من الأفعال البقية في اللغة العربية، ورغم ذلك ننعته بالناقص علماً أننا نحن الناقصين بدونه ولولا أننا كذلك ما استخدمناه كلما أردنا الحديث عن أنفسنا وقلنا، كان أجدادنا، وكنا نحن العرب.

مجلة قلم رصاص الثقافية

عن فراس م حسن

فراس م حسن
قـارئ، مستمع، مشاهد، وكـاتب في أوقـات الفراغ.

شاهد أيضاً

محضر تحقيق !

قررت أخيراً أن أضع حداً له، وداهمت مسكنه عند منتصف الليل، كان مستلقياً فوق طاولة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *