الرئيسية » ممحاة » رسالة سياسية على قياس “قبقاب” ستي خدوج

رسالة سياسية على قياس “قبقاب” ستي خدوج

من هنا يا صاحبي من هنا… من هنا… من اللامكان واللا زمان… أُحمّل لك الحمامَ ريش السلام….. وأبدأ من الختام، ستي “خدوج” مازالت تغني: ( حوّلْ يا غنامْ حول بات الليلة هين…)، ومازالت ستي أمدَّ الله بعمرها مدد عمر الذين يزدادون شباباً بعد الثّمانين، وقد بلغوها فأحوجوا أيامنا لترجمان.

ستي يا رعاك الله ما زالتْ تتوعّد الأسطول الخامس بتكسير رأسه بقبقاب جَدِّي العتيد، وتغني :

( عالهوارة الهوارة والله لنجر أمريكا بحمارة…وناكل الكريما بصنارة…. واللي ما عجبوا بنقلوا …الهوا خالتنا والزلمة يحل زنارة).

والله يا صاحبي على أنّ ستي لا تفرّق بين “يوسفالسكاكي”  وعبّود السكّاك، إلا أنها أكثر فقهاً بالعصاب النفسي من “فرويد”، وأرسخ مهارة  بالتورية من “المغنية” التي لا تعرف أن تواري عورة الفن في فستانها المطرز بزحافات البحر الخفيف. ستي “خدوج” يا صاحبي على أنها لم تحصلْ على السرتفيكا كانت تقول: الفرق بين الكبرياء والمكابرة ، فالكبرياء كمثل شجرة خضراء سامقة ،تهزّها الريح فتنحني وتميل وتتمايل، لكنّها لا تنكسر، بل تزداد شموخاً،  وتتخلّص من الأوراق اليابسة. أما المكابرة فهي كمثل شجرة يابسة لا تهتزّ إنما تنكسر، وتتحوّل إلى حطب يحرق نفسه.

نسيت أن أسألك يا صاحبي: أصحيح أن النجوم في سمائكم تعمل ريجيماً بالإضاءة تعاطفاً مع المصابيح الكهربائية عندنا التي عمل لها التقنين ريجيماً وصل حدّ الإضراب عن الإنارة.

يا صاحبي لا تسألني ما الذي أبقته منا العاصفة، لن أضحك منك، وأقول صامدون قرب الجدار الأخير، لأن الجدار الأخير، الصامدون بظله هو جدار وهم، بل أقول لك كما تقول ستي خدوج: الآغا يضيّع للفلاح ثوره لكي يجده ويفرح. وأقول يا صاحبي: نحن صنعنا العاصفة، وضحكنا من أنفسنا، كما فعل الحمامصة حين سمعوا بأن عاصفة ستجتاح حمص، فخرج وجهاؤها إلى مدخل حمص،  وكتبوا لافتة: حماة ترحب بكم، ونادوا من المساجد:  ناموا يا أهل حمص باطمئنان لقد خدعنا العاصفة.

آه…. يا صاحبي كم غدرنا أنفسنا، ترى أبعد كل هذا الخراب، أما آن أن يراجع كل واحد 
منا نفسه ويفتح عيونه على كل ما دمره ، والله آن الأوان والله آن الأوان ،أطلت عليك يا صاحبي، ربما لو نادينا حياً يستفيق قبل فوات الأوان، وفي الختام سلام على جناح الحمام، لكن نسيت لم يبق يا صاحبي في سمائنا حمام، ضعنا وضيّعنا الكلام فسلام وألف سلام.

نسيت أن ستي خدوج ماتت من زمان، وحفيداتها اختلفن عنها بالشكل، لكن بالمضمون صنوان.. غن يا صاحبي: ( زمان والله يا ستي زمان، أعطني قبقابك وغني. لا أريد أن أكسر رأس الأسطول السادس ، أريد أن أنفض مخ حفيداتك اليابس).

سلام على روحك يا ستي من خلف ما مات، والآتي آت….

نسيت يا صاحبي أن أسألك أنت في أي مكان، لأرسل لك هذه الرسالة على العنوان.

مجلة قلم رصاص الثقافية

عن د. خالد زغريت

د. خالد زغريت
كاتب وأكاديمي سوري، إجازة في اللغة العربية، دبلوم دراسات عليا شعبة الأدبيات، دبلوم تأهيل تربوي، ماجستير في الأدب القديم وعلم الجمال، دكتوراه في الأدب القديم وعلم الجمال. يعمل مدرساً في كلية الآداب. ينشر في الصحف والمجلات والدوريات. له عشرون بحثاً علمياً محكماً في الدوريات العربية والدولية وعدة كتب منشورة منها: قامة النار وخريف السيدة الأولى، أهرامات السراب، الصفير في وادي الشياطين.

شاهد أيضاً

متى تجذب المرأة الرجل؟

سؤال طالما راود الأذهان، وأثار في النفس فضولاً لا يهدأ. هو سؤال يبدو بسيطاً للوهلة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *