كان “بعلباوي” يصرّ على أن العلم لا يأتي من المدرسة فقط، بل من “الحربقة” والذكاء، مستشهداً بنفسه فهو_ كما يرى_ يستطيع التحدّث في مواضيع ثقافية لا يجيدها أبناء المدراس وفي الحقيقة كان “بعلباوي” يتفانى في حفظ الكلمات التي توحي بالثقافة، والفهم بببغائية مضحكة، وكان ذلك يورطه في مآزق خطرة، كما حدث معه مرة في مدرسة ابنة أخيه عندما زار معلمتها التي استدعت ولي أمرها لسوء سلوكها، وقد حفظ لفظ حثالة ظناً منه أنها مفردة مديح، فقال لها: تدعون أنكم حثالة المجتمع، ولا تتحملون طفلة بريئة، فخلعت المعلمة حذاءها وناولته على رأسه ولولا تدخل المدير لأخذوه إلى المخفر بدعوى السبّ والشتم، وأفهمه أن كلمة حثالة تعني (السراج). ولم يتعظ “بعلباوي” مما كان يلحقه به ادعاؤه، بل ثابر على التزلج فوق صفيح ذاته الدبقة.
حين عاد أخوه من مالطا، وكنا نحسب أن جلده سيَتِخُّ في السجن لهروبه من خدمة العلم، ولِمَا شاع عنه من تزعّمه حركات سياسية على تدني علمه، لكننا فوجئنا به ينشئ شركة كبيرة، ويسلّم فيها “بعلباوي” سيارة ومكتباً ضخماً، و “شنطة سمسونايت” من مستلزمات رجال الأعمال كما يدعي “بعلباوي” الذي كان يطقق مرارة رفاقه من الضحك حين كنا يرونه يخرج من الشنطة قلماً، ودفتراً صغيراً يوهم مَن يراه أنه يدوّن ملاحظات هامة..
وبدل أن يقع بعد ما ارتفع كما تقول الأمثال، صار أكبر من الجمل، بل لم يعد رفاقه بمقامه كما كان يصرّح، على ما يحمله بعضهم من شهادات علمية عالية، وهذا ما كان يدفعهم إلى التساؤل عن مصدر مزراب الكنز الذي فُتح على “بعلباوي”، فمنهم مَن كان يقول: إن أخاه تقمّص شخصية الداعية وجمع الزكاة لأهل “كوسوفو”، وحين توفرت له الملايين لطشها وعاد، ومنهم مَن يؤكد أنه احتال على ابنة تاجر، مغترب في نيكاراغوا، فتزوجها واستولى على شركة أبيها بعد موته، واكتشفته بعد أن وقع الفأس بالرأس، لكنها لم تجد بداً من تطليقه، فعاد.
ومنهم مَن يقسم أنه كان يعمل مخبراً لدولة نامية… فخرب بيت طلابها الذين اغتربوا في بعثات علمية لنيل الشهادات العالية، إذ يقولون: إن تقاريره كانت تأتي بأجلِهم بينما هو يقبض ذهباً ثمن حبره الحرام، ولأن ادعاءات “بعلباوي”، وأهله أكثر تلوّناً من الحرباء، فلا يمكن لأحد أن يعرف الحقيقة من الكذب….
وفي يوم تحلّق حول سيارة “بعلباوي” الجديدة التي ركبها قبل الوزير، فخرج منها لابساً ثياباً أشبه بثياب المطربين حاملاً بيد الجوال وعلبة سجائر “المالبورو”، بينما كانت يده الأخرى تلوّح بالمفاتيح والنظارات الشمسية، وراح يشرح مزايا هذه السيارة التي لم يركبها إلا “….” قبله، وهي في حقيقتها هدية من وزارة الصناعة الفرنسية لجهود أخيه ـ الذي لم يحصل على الشهادة الإعداديةـ في تخصيب اليورانيوم من القرنبيط، بينما سمعنا أن أخاه قال: هي جائزة ترضية من لجنة نوبل لنجاحه في زراعة الكمأة في المريخ حين دعاه علماء ناسا لمرافقتهم إلى المريخ، وحكى عن اكتشافه بَعْرَ جمَلٍ أعرج على المريخ، ممّا يدلّ على أن العرب سبقوا العالم في الصعود إليه، ولم يقطع تبجح “بعباوي” إلا دورية الشرطة التي حاصرت بيته وأخذته مع السيارة…
ولم نعد نعرف ما حدث “لبعلباوي” إلا ما قرأه أحدنا في الجريدة أن المدعو “ب” سرق من لبنان سيارة، واشترى من أحد أقرباء المسؤولين لوحة مزورة ثبتها عليها، وقد قال الصحفي الذي نقل وقائع جلسة التحقيق: إن المتهم يدّعي أنه غُرّر به كونه أمياً، فردّ المحقق، ألم تكن تدعي: أنك شاركت “أحمد زويل” في إعداد بحوثه الكيميائية، هل تظن أن عيوننا نائمة عنك، كل كلامك عندنا، فرد” بعلباوي ” هذا ادعاء سيدي أنا أُمِّي، وعلّق الصحفي: هذا الذي أتى بالدب إلى كرمه.
انقطعت كل الحبال التي تسلقها ” بعلباوي” ليصعد إلى قمة جبل ليرى الناس تحته، ولم يبق له إلا حبل الكذب، ومازال يتعلق به ليعيش..
مجلة قلم رصاص الثقافية