الرئيسية » رصاص ناعم » وداد سلوم في «من سن سكين البرد» المعرفة مقابل الشعر

وداد سلوم في «من سن سكين البرد» المعرفة مقابل الشعر

ابراهيم حسو |

سبق وأن أصدرت الشاعرة السورية وداد سلوم (1972) مجموعتين شعريتين (لا ضفاف لصفصاف 2014) و (جرس الماء 2015) وفي كلتا التجربتين نعثر على قصيدة واحدة وإن كانت متقطعة ومجتزأة ولكن ما يجمعها هو النثر الشعري ذا الصوت المتعدد والمتنوع والجرس الذي يظل يرن على طول النصوص وعرضها جاعلاً من اللغة حالة موسيقا دائمة وقلقة على الرغم من البساطة والعفوية المبالغ فيها فإن المجموعتين تتوقفان عند نقطة الخطاب الشعري الواحد في محاولة التقرب من القارئ بأساليب تقليدية دارجة, لكن هذا الخطاب يتبدد في مجموعتها الجديدة ( من سن سكين البرد 2016). إذاً لا قارئ تقليدي هنا ولا شعرية تقليدية, ثمة نبرتين حميميتين مختلفتين تطغيان على المساحات اللغوية الشاسعة دون عوائق بلاغية أو إيقاعية أو موسيقية, فتبقى المحافظة على ذلك النبع الأول الذي يتدفق منه الشعر, وتبقى المخيلة أسيرة قاموس جمالي تعودت الشاعرة الشرب منه كيفما سنح لها, فكل قصيدة تحمل إرثاً لغوياً مختلفاً, وكل جملة لها ما لها من تشكيل وأصوات وصور, وكل كلمة ما تشي بروح شفافة :

(أنا الهلام لا جنس لي

لا أعرف دهاء المرأة

ولا يمكنني أن أقسو كرجل

أنا نبات البر

فطر أعمى بلا جنس

أنا دورة الماء الأول

سواد العماء

منبت الألوان البكر).

ما يميز نص سلوم هو تبسيط الدلالة وتقليبها إلى وجوه كثيرة, بحيث تغدو المفردة صورة واللغة نفسها صوتاً, لتقوم بعمل القصيدة كلها, كأن النص هو مفردات منفصلة ومبعثرة بهندسة شعرية متينة, فكل جملة تبدأ بمفردة وكل نص تديره رئة واحدة وقد تتعدد الدلالة بتعدد الصور ليصل الشعر إلى مبتغاه :

(يأتي صامتاً

ويرحل صامتاً

الموت الذي يكسر

أعناق اللغات كلها ).

تجربة وداد الثانية تظهر فيها الانفعالات والمشاعر جنباً إلى جنب, الحياة الزاخرة بالتفاصيل والمفردات التي تؤلف عوالماً مرادفة لها, هناك ابتهاج عام بين جملها ومفرداتها وبين الفواصل والزوايا اللغوية, تقرأها فتحس بتهافت الكلمات ترشح هنا وهناك تتسرب بين صدوع اللغة وتصب في المخيلة الشعرية التي تتدفق بثقة غير معهودة, ثمة حرية مخبوءة ومجبولة بالغبطة تمتلكها وداد سلوم دون أن تعرف, حرية بين أن تكون شاعرة طافحة بالاطمئنان وشاعرة تغرق في أناها وأنينها المتعاليين, لديها ما هو أكبر من الشعر وأكبر من حبها للكتابة الشعرية, أقصد الإحساس بالحرية في قول الشعر والعيش فيه, الحرية في أن تزاول الشعر كما كأنها تزاول رياضة المشي العادية اليومية فهي تدرك تذبذبات الحياة اليومية وتلك اللحظات الإنسانية التي ترافق قيمنا الجمالية وما تقترب من تلك الحساسيات الروحية في مدرّجات القصيدة وهذا ما يجعلها تنحاز إلى داخلها بقدر أكبر من محاباتها إلى الخارج من ذاتها.

(يشبه القتل لكنه أشد فتكاً

بلا مهارة

بلا رادع

وحشي ودافئ في النصف اللامع من البرتقالة

في النصف الحاد من حدس القتيل

تمسك أعضاء الحياة, شفة الريح برجاء).

ليس في نص (من سن سكين البرد) غاية لغوية بقدر ما توجد غاية شعرية, إذ يتقدم الوعي الشعري على اللغوي لتدارك الارتباك بين المعنى القاموسي الدارج وبين المفردة الشعرية المغسولة من دلالتها الإيضاحية, هناك وصلة أو شعرة تربط المعنى وترسخ بقاءه , هي شعرة المعرفة, فلا معنى دون هوية معرفية في نص سلوم, المعرفة عندما تكون أكثر من الكلمات نفسها وأعظم من الصورة في كل تجلياتها وتشكيلها, وداد بارعة في تجريد المعنى من نشوته البلاغية, تحكم سيطرتها على النص من تخوم الإشارات المعرفية المتشابكة في رص وشحن كينونة الكلمات وكسرها دون استخدام تقنيات بدائية في الكتابة النثرية كما درج عليها شعراء الألفية الثالثة.

شاعر سوري | خاص موقع قلم رصاص

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

متعبون من فرط النوم.. راقصٌ على إيقاع الغياب.. ضياع أنت يا صوت القصب

وحدكَ تدْقُّ الأرضَ عصاك مغشيّاً على وضحِ المدى   لا رفيقٌ يردِّدُ معك شعارَ الجلسةِ …