الرئيسية » رصاص ناعم » رواية «نهاران» السردية النسوية لم تنته بعد

رواية «نهاران» السردية النسوية لم تنته بعد

لولوة أبو رمضان  |  

“منى تمشي تمرُ على مترو كي كونكورديا لا تدخل تمشي وهي تفكر في أن تعرض على صديقتها رغدة نشر ديوانها مرفقاً بقرص مسجل بلثغة أهل طنجة كي ينفد الديوان بسرعة البرق من المكتبات تطلب منها أن تكتب قصائدها على نمط الهايكو الياباني… يزداد تفكيرها, تفكر أن تضع مخطوط قصيدة لحظة حرزاً بعنقها لمنع حريق طنجرتها. تمشي بشارع سان كاترين تردد بصوت خافت خافت لحظة.

لا شيء أحلى من الحب تغني أغنية نانسي:

الحب غير معنى الكون

تردد شعر محمود

يتشابكان..”.

مقطع قصصي من عمل أدبي مميز  للقاصة المغربية الدكتورة لطيفة حليم, ركزت فيه  الأديبة على شخصيتين, ونهارين (يومان), يبدأ النهار الأول بشخصية منى المغربية من أصول  أندلسية غرناطية (ص103) التي أصبحت تقيم مع أبنائها في مونتريال, هي امرأة مثقفة بامتياز ولدت في قرية  (ايتزر) التي تقع وسط جبال الأطلس المتوسط, أتت  إلى مونتريال تهتم بأولادها وبتقاليدها في الأكل المغربي الشهي  كالطبق الشعبي (الهركمة)  التي هي ( أرجل الخروف).

تستخدم في قصتها – التي لم تتعد 141 صفحة – كلمات عامية مغربية محببة على أذن السامع.

منى  شخصية جاهزة أو مسطحة محبة للحياة جاءتْ بكل عنفوان ووضوح, بمعنى هي الشخصية المكتملة التي ذكرها الدكتور (عزالدين اسماعيل) في كتابه النقدي (الأدب وفنونه)،  وهي الشخصية التي تظهر  دون أن يحدث في تكوينها أي تغير فتصرفاتها دائماً لها طابع واحد مع كل النساء التي تراسلهن عبر البريد الالكتروني أو اللواتي تلتقي بهن, هي ست البيت المثقفة دوماً, تمشي على استحياء وهي تتساءل عن الموضة، ولا تهتم بالسياسة ولا بتماثيل الحرية ولا بالعسكر, تهتم بالأكل وتفكر أن تطبخ أكلة فلسطينية  شهية لكنها في حقيقة الأمر تهتم وتهب بسرعة لملاحقة برامج قناة الجزيرة.

منى امرأة  مُلمة بمعلومات تغيب عن عقول الناس العادين وتظهر ثقافتها وولعها في سرد هذه المعلومات الثقافية في كل سطر من القصة, وتنفي عن نفسها حب القراءة “ما أنا بقارئة،

قراءة الكتب تخرب دماغها وتحرضها على السلطة الحاكمة” ص67.

وعندما تلتقي في يومها الثاني مع صديقتها (مي) أمريكية جواز السفر وطنها لبنان، ووطن أجدادها فلسطين, تلتقي معها وجهاً لوجه وليس عن طريق (السكايب) كما حدث في النهارالأول.

(مي) هي  الشاعرة والصديقة المقربة والتي تعيش في (شيكاغو) قد وصلت الى أعلى المراتب العلمية في الجامعات الامريكية بعد أن كانتْ في دولة الكويت وعانتْ الغربة  فهي من يتذكر خروجها من موطن أولادها مرغمة، ومن ثم وجودها المهم كشخصية مسطحة غير نامية  في الأحداث  الخاصة  في النهار الثاني والأخير في هذا العمل الأدبي. 

النهار الثاني:  

وتزداد  قوة رواية (نهاران) للأديبة (لطيفة حليم) بحيث  يصبح أكثر شجناً ويتغذى السرد وتنساب الأفكار بسلاسة وقيمة فكرية لا حدود لها.

عندما تسافر منى إلى شيكاغو وتلتقي  بصديقتها (مي) الفلسطينية من أصول مغاربية ويظهر صوت الراوي معهما والذي يعطي الإيحاء الكبير للقارئ بأنه صوت “الكاتبة” (مي ومنى لا يعرفان أن لهذه القرية أسرار غريبة بعض سكانها كانوا يؤدون مناسك الحج ويتحملون هول المسالك الوعرة بعد تأدية فريضة الحج يقدس الحاج حجه بزيارة بيت المقدس يحكى  سكان القرية أن عم جد كنزة (وهي عمة مي الفلسطينية) استقر بحيفا ولم يعد إلى قريته الى أن هلك…)  ص 99.

 في هذه الرواية هناك شخصيتان نسائيتان رئيسيتان وصوت الراوي وشخصيات نسائية ثانوية كلهن لهن تلك الحرية التامة في التساؤل وسرد الأفكار والبوح والتصريح بها بطريقة راقية من خلال أصوات  نسائية (مثقفة) بالطريقة السرد الذاتي بحيث تكتب الخواطر والاجابات عن الأسئلة بلسان المتكلم الذي يجعل من نفسه وأحد شخوص القصة شخصية واحدة , كما يحدث هنا مع( منى).

منى وصوت الراوي( تمشي وهي تفكر أن تطلب من (مي) أن تشتري لها رواية (ورق الجدار الأصفر) لقد علمت من زميلتها يمينه التي تدرس في شعبة  اللغة الاتجليزية أنه كان لصدور هذه الرواية  أثر كبير في شهرة الروائية  شارلوط بيركتنس… تمشي (منى) وهي تفكر في التمثال القائم بين شقوق

(العلية والمطمورة)، وتقول وقد قلقت من صمت مي: صديقتي أريد أن أشتري رواية ورق الجدار الأصفر … لا تجيبها لأنها غارقة في هلوستها منى ترغب في إخراجها من هلوستها) ص73-74.

و(نهاران) قصة أدبية قلما نجد نوعها في أدبنا العربي الحديث, لا أثر فيه للحوار الذكوري فقط ذكر أسماء ليس إلا.

 تنوع السرد القصصي في الرواية

وقد يأتي السرد هنا وفي هذا العمل الأدبي بالذات عن طريق وثائق خاصة جاءت من الكتب التراثية القديمة الهامة  ككتاب ترجمان الأشواق. ص 68.

أو أقوال للإمام البخاري (الفقر في الوطن غربة والغنى في الغربة وطن) كما جاء في النهار الأول. ص40.

أو شعراً لريتا دوف أميرة شعراء أمريكا.  ص71 و ص101.

لأنها شاعرة ( رأت مقعداً أبيض رأت نهراً أحمر رأت أطفال غزة بدون مسكن في العراء رات … رأت… انفجرت وكتبت قصيدة طويلة ) ص72.  أو رغبة في قراءة قصيدة عشق للشاعر الفرنسي (لوران غابارا) الذي أحب فلسطين وكتب قطعه النثرية في مدينة بيت لحم لينشرها عام 1972. ص 92.

أو ذكريات وحنين من( منى) المغربية إلى الأهل وخاصة الأب (ما أحلى شرب الماء من كفي والدها ويكون من مصب عين تنبع بين شجرة الأرز بجبال الاطلس)  ص41.

والسرد هنا لا يخلو من التطرق إلى السياسة وخاصة الامريكية منها وخاصة عندما يسرد بلسان  المراة الفلسطينية الأمريكية الحرة من خلال السكايب ص 41.

أو عن طريق أساطير عالمية عندما يمتزج صوت الرواي مع كلاهما مع (منى) و(مي) ( تذكرين مي زيارتنا لشلالات نياغارا, إنها سكن عملاق كبير يساعد السكان الأصليين لكندا على الخير. لا تجيبها … يسكن في قديم الزمان عملاق كبير بشلالات نياكارا وحصل يوما أنه أوى صبية لأنها هربت من زوجها العجوز الشرير…..) ص81.

 وقد نرى السرد هنا في العمل الأدبي (نهاران ) يأتي أيضاً عن طريق سرد أحداث ماضية  سردت عن طريق أصدقاء لمي  لتظهر بعده تلك التساؤلات الهامة في عقل كل المفكرين والمهتمين بقضايا أمتهم.

مي تتذكر أنه قبل يومين  أخبرها زميل يدرس معها بالجامعة أنه التقى بإسرائيليين يحضران الدكتوراه بالجامعة احدهما يدرس العقلية العربية كما صاغها الأدب والشعر العربي … أما الآخر فيدرس الانتروبولوجيا يحضر رسالة دكتوراه حول موضوع المجتمع العراقي في مدينة الناصرية.. وأستاذ عربي يحضر دكتوراة في الأدب حول موضوع ليلى والذئب. هذه كارثة. نفكر في الماضي والآخر يفكر في المستقبل ) ص83.

ويأتي السرد بحلته البهية عندما يدور النقاش بين (منى) المغربية و(مي)  صديقتها الفلسطينية حول  المتنبي. (تقول مي وهي تنزع من عينيها نظارة الشمس … ( أنا لا يعجبني المتنبي .. وأنا لا أطمع في كتابة قصيدة اتملق فيها لرجال السلطة طلباً للمال .. أنا لا اتملق).

تقول منى : (صديقتي مي زمن المتنبي بكل الفدح الموجه له أجمل من زمننا ولو بقليل) ص76.

ويتشكل السرد في هذا العمل الأدبي الجديد من نوعه على أدبنا العربي الحديث بحيث يعطي للشخصيات القدرة على حرية الحركة والحصول على متعة أعظم وأٌقرب الى النفس, عندما تستخدم طريقة المتكلم أو طريقة الوثائق بأنواعها كما أكد الناقد العربي د.عزالدين اسماعيل في كتابه سابق الذكر. هو تنوع سردي قيم أضفى غناءً  ثقافياً ممتعا عند القارىء والناقد عندما يقرأ كلمات الشاعر أرغوان الذي كتب عن غرناطة وكلمات الزجل للشاعر المصري عبد الرحمن الابنودي ص95، وأغاني فيروز ص109. 

وتساؤلات المرأة المغربية الأصيلة في نفسها  والمتمثلة في شخصية (منى) عن (متى سيستيقظ الضمير العالمي وينصف الشعب الفلسطيني  وهل ستقدم اسرائيل اعتذاراً الى أطفال وشيوخ ونساء غزة؟) ص 85.

هذا التنوع في السرد والأفكار المتعمد وجودها في القصة ابتكر ذلك الحوار الذكي والممتع عند  منى ومي- تلك الشخصيتان الرئيستان في نهاران- اللتان خلقتا هذا الحنين الحزين الي فلسطين وربوع فلسطين, بلد جميع العرب والمسلمين (مي خرجت من وطن أولادها الثلاثة حملت معها لوحات… تتأمل منى اللوحة بعمق مي بلباس فلسطيني مطرز شعرها موج يرقص على شاطىء حيفا تتأمل بعمق احتلال الكيان  الصهيوني لفلسطين أكبر جريمة عرفها العالم, ليال تشير بسبابتها إلى الشعر الذي يشكل خريطة فلسطين… مي تعيش تغريبة الشتات) ص 109.

ومعاناة ذكريات زميلتها في رام الله عند زيارتها لوالدة مي من جنود الاحتلال الاسرائيلي ص117.

وجرأة مي الفلسطينية وابنتها رهام (ماما أنا أحب فيدل كاسترو يعجبني حديثه ووقوفه أمام جورج بوش لا أهتم بخطاب اوباما ولا أترقب نجاحه.

تقول مي: حبيبيتي أنا لا أنشغل ببوش واوباما أنا مشغولة بالقضية الفلسطينية) ص118.

قصة (نهاران) هي سرد قصصي يربط القضية الفلسطينية برباط معنوي  بالهنود الحمر من خلال قصيدة تحمل عنوان بكاء البحيرة ص111. وحوار يربط منى بهموم  بسكان كندا الأصلين كما تنشغل مي بسكان فلسطين ص85.

وحوار آخر فلسفي بين الشخصيتين الرئيسيتين  (منى) و(مي) حول ابن رشد وابن الاعرابي في غرناطة كذلك بين ابن تومرت والغزالي في مكة ص121. سرد ممزوج بثقافة عالية وبرؤية نقدية من امرأة مغربية تقرأ بكثرة  هي لا محالة متمثلة  بشخصية (منى) المرأة المغربية المهتمة بصديقتها الفلسطينية (مي) هي وصوت الراوي، يذكران ما تفعله (مي) وهي تقرأ رواية عالمية كرواية (عناقيد الغضب) وأثر هذه الرواية على الأجواء السائدة في وقتها عام 1939.

لتتساءل (منى) بعدها ( هل ثمة نص عربي روائي استطاع أن ينجح مثلما نجحت رواية (عناقيد الغضب)؟  تخرج منى مسرعة لا تننظر جوابها تخاف حريق الطنجرة) ص112.

يعد سرداً لغوياً صريحاً واقعياً حول مذكرات قائد المقاومة في حيفا المرحوم رشيد الحاج إبراهيم الذي يصف فيه النزوح الفلسطيني عام 1948 إلى لبنان ص123.

لا تنسى الأديبة هنا سرد بعضاً من التراث الأمازيغي المتوغل في جذورها المغاربية عن طريق شخصية (منى) المولعة بذكريات والدها  ووجبة الفطور المفضلة عنده كالحاكوزة وطبق الكسكس وكلام جدتها  المغربي الدارج الأصيل ص 115.

وكيف أن أبو جعفر المنصور العباسي كانت أمه أمازيغية علمته الحديث بلغتها ص 119.

وغيرها الكثير والكثير من المعلومات التي يروق لها الفؤاد وتنتعش معها الذاكرة الإنسانية العالمية.

بين (لطيفة حليم) و(سحر خليفة)

والسرد المتعمق  والمتواجد في العمل الأدبي( نهاران) يجعلنا نتوقف قليلاً  لنربط بين الكاتبة الفلسطينية (سحر خليفة ) في روايتها( ربيع حار) وبين الكاتبة المغربية ( لطيفة حليم ) وقصتها (نهاران ) من حيث أن كلاهما ذكرتا شخصية (راشيل كوري) الفتاة الأمريكية التي ضحت بحياتها من أجل القضية الفلسطينية  بطريقة مختلفة ومعبرة, الأولى وهي( سحر خليفة ) ذكرتها كشخصية نسائية ثانوية مهمة لا يمكن الإستغناء عنها (راشيل كوري) تتخاطب وتجري حواراً أدبياً يخدم الرواية مع أحد الشخصيات الرئيسية النامية كشخصية أحمد في (ربيع  حار) وتقتل أمام مرأى الجميع بواسطة الجرافة الاسرائيلية، وراشيل كوري تصرخ (لكن الجرافة تتقدم مثل الزلزال تدك الأرض… مشت تتلقاها كالصليب ذراعاها مفتوحتان والشعر الأشقر يتطاير… صاحوا وقف ولم يتوقف رشقوا الحجارة ولم يتوقف.. فتاة تحلم بالحب وضمير التاس ابنة تاتشر تحت الدواليب صور صور ابنة تاتشر صارت منا صارت قديسة مسيحية حين نعاها خوري اللاتين… ) ص 372.

أما الأديبة (لطيفة حليم ) سردتها كخبر جاء بعد مقتل (راشيل) حصلت عليه (منى) بواسطة رسالة إلكترونية من صديقتها نادية التي حصلت بدورها في نيويورك عن معلومات عن مسرحية (اسمي راشيل كوري)  وفيها تذكر الجدل الصاخب الذي أثارته المجموعة اليهودية المتعصبة في الولايات المتحدة، كل ذلك جاء كخبر. (قبيل غروب الشمس يوم 16 مارس عام 2003 وفي مخيم رفح للاجئين توجه بلدوزر لهدم منزل قد مكثت فيه وهو منزل الشاعر علي .. فتوجهت مع سبع من أصدقائها من نشطاء السلام في مرجهة البلدوزر .. نجحت في تعطيلهم لمدة ساعتين  تقريبا عن هدم المنزل لكن يبدو السائق أصم متحجر القلب …. ولم يكتف بذلك بل تقدم للأمام ليسحقها ولم يتركها إلا جثة هامدة… ) ص31.

ويستمر توارد المعلومات بعدها بالشكل السردي المعتاد في قصة (نهاران) عن  حادثة  قتل واستشهاد (رتشل كوري) في غزة أمام العالم. وينتهي السرد بذكر  الرسالة من أحد كبار موظفي الوزارة الأمريكية يقول:(فيها أن الحكومة الأمريكية لا تعتبر التحقيق الإسرائيلي “كاملاً” أو “موثوقاً به”) ص32.

فالعمل الأدبي عند( سحر خليفة) ليس شيئاً خارج العملية العقلية للقارىء بل هو من يتحد مع الحالة الشعورية عند الكاتب ويظهر بالشكل الفني الروائي للمتلقي, أما العمل الأدبي عند الأديبة (لطيفة حليم )هو عمل سردي لا يتصل بطبقة خاصة من القراء بل هو للناس جميعا للقاصي وللداني وكلاهما تمتلكان تلك الرؤية الجمالية  الحرة التي تُغذي العمل الفني وتعمق من أهمية الإنسانية عندما يستمد الكاتب الأدبي مواضيعه من الحياة، فالأدب ببساطة ما هو(إلا تعبير عن الحياة، وسيلته اللغة) كما جاء في كتاب  (مقدمة في دراسة الأدب) للناقد العالمي وليم هنري.

الفرق بين (لحظة) النهار الأول و(لحظات)  النهار الثاني

التميز اللغوي هو غاية كل أديب يرتقي بعمله الأدبي. ويلفتُ انتباه القارىء إلى ما يكتبه من ألفاظ وعلاقتها مع المعنى الكبير في عقله وحده، وزرع الإمكانيات المحتملة  لهذه اللفظة أو تلك العبارة عندما   تراها متكررة  في أكثر من موضع في القصة , والايمان بأن  كل شيء يصلح أن يكون ذا قيمة ومعنى. المهم هو الإجادة في المعنى  كما جاء في كتاب  قضايا النقد الأدبي للدكتور بدوي طبانه، بل هو الفلسفة الأدبية بنوعها المتفرد، وكلمة (لحظة) أول ماجاءت في القصة بمعناها الأصلي وهو التوقف برهة من الزمن لمتابعة صديقتها رغدة وهي تقرأ في عجل, و(لحظة) التي جاءت  في النهار الأول عنواناً لقصيدة ص7، لتأتي بعدها رغبة الشخصية الأساسية (منى) في كتابة لحظة (لأبين فيها أن النساء فاتنات قادرات على الجذب ولهن شعور عميق في أجسادهن ويرغبن في الحب أكثر من لحظة ) ص 8. لتأتي بعدها كلمة(لحظة) بمعنى التروي والصبر والتأني ليكتمل العمل في نطقها  للثغة أهل طنجة (منى) من تريد كتابة قطع سردية تصف (لحظة) وأهميتها عندما تواردت عليها الخواطر بسبب لحظة و(منى) أيضا هي من تلعن (لحظة) لأن طنجرة (الهكرمة) احترقت وفي غارقة في تفحص لحظة) ص 9. أما كلمة لحظة في النهار الثاني هي لحظة الكوارث, أولها قصة (ماهر) أحد شعراء مدينة فاس ص69. وكلمة (لحظة) والتي تربطها منى بالقضية الفلسطينية وتذكر (مي)  بضياع أهلها في فلسطين ص71. لتبقى منى مشغولة بـ لحظة ( وتفكر بعدها في رحلة لزيارة فلسطين برفقة مي والصبايا رهام  وليال ولمى وذلك عندما تتحرر دولة فلسطين) ص80.

لنرى أهمية كلمة (لحظة)  تظهر في التاريخ العالمي عندما جلست سيدة سوداء (روزا باركس) عام 1955 على مقعد الباص وتركت وراءها زوبعة غيرت الولايات المتحدة ليذكر بعدها لحظات حياتية أخرى ص 100. اذاً كلمة لحظة صارت ملك (منى) تديرها كما تشاء لتظل (منى) المرأة المغربية المشغولة بقضية فلسطين وسقوط غرناطة إلى آخر لحظة في  القصة تحب الوحدة بين الجميع وهي تقلب قطع اللحم وتقول : ( الله الله لو كان لحم الغنم من قرية ايتزر والزعفران من طهران والزيت من القدس والبرقوق الاسود الجاف من غرناطة ستأكلون بنان أصابعكم من لذة هذا الطاجين)  ص93.

ومازالت (تفكر بالقصائد  التي فيها لفظة غزة لتعطي طلبها  بحثاً عن القصائد التي فيه لفظة غزة  وتذكر قصيدة زوجها عن غزة التي نشرت في صحيفة مغربية تحمل عنوان غزة ) ص93. (منى ما زالت تقطع البصل وتفكر في غزة) ص94. وتنقل لنا الكاتبة بعدها وفي نفس الصفحة بمرارة وأسى كبير أثر رحلة الى مدينة (غرناطة) على (منى) وبكائها داخل قصر الحمراء ونقدها  الى ماتحكيه المسجلة التي علقتها في رقبتها والتي تصف  العرب بالغزاة ص94. وأهمية خطبة طارق بن زياد التي قالها بالعربية وليست بالامازيغية وتدريس( مي) لهذه الخطبة في جامعة شيكاغو ص96. ليستمر هذا السرد القصصي سائراً بعنفوانه الجميل, وحوار واقعي لا ينضب مع (منى) و(مي) و(صوت الراوي)  الهادر كهدير ينابيع جبال أطلس, والمتداخل مع السرد اللغوي الرصين عن الحنين الى الكويت وفلسطين والحديث عن الروائي المكسيكي (ألبيرتو) و(محمود درويش)  وأسماء أدباء مغاربة يهود, وأسئلة متعددة وحكايات الجدة عن النساءالجميلات, أحداث متلاحقة, تنتهي مع انتهاء   اليوم وقدوم المساء  ورغبة الجميع بالخلود إلى النوم ماعدا (منى) التي أخذت تتصفح ما جاءها من  رسائل الكترونية,  تتصفح معها ديوان (مي) الشعري وطبعته الجديدة وأسئلة (منى)  حول التغير الذي وقع في بعض القطع الشعرية ص 141. وينتهي النهار الثاني  يقدوم خبر سعيد وهو ذهاب الجميع الأسبوع القادم إلى (المكسيك) لتصبح نهاية القصة نهاية مفتوحة. ويبقى معها مخيل  المُتلقي متوقداَ حول  كيفية شكل اليوم الثالث واليوم الرابع في  المكسيك بين الصديقتين المثقفتين منى ومي. نهاران قصة أدبية أشبعتنا ثقافة, ولم تُشبع بالشكل النقدي الذي يليق بها, هي الفكر النسوي الغني بكل ماهو مفيد.

 كاتبة وناقدة فلسطينية  |  خاص موقع قلم رصاص

 

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

متعبون من فرط النوم.. راقصٌ على إيقاع الغياب.. ضياع أنت يا صوت القصب

وحدكَ تدْقُّ الأرضَ عصاك مغشيّاً على وضحِ المدى   لا رفيقٌ يردِّدُ معك شعارَ الجلسةِ …