الرئيسية » رصاص حي » رحلة البحث عن صلاح الدين الأيوبي (2)

رحلة البحث عن صلاح الدين الأيوبي (2)

حسام قصي شراباتي  |  

تتمة المواجهة الإسلامية الصليبية الظهور الأول :

كما ذكرنا في الجزء الأول لهذه المقالة، كان ظهور العائلة الأيوبية  قد مُهد له عن طريق السلاجقة أولاً ومن بعدهم الزنكيين تحت ظل الخلافة العباسية.

وفي الطرف الأخر – كانت الخلافة الفاطمية تعاني أسوأ حالاتها – بعد تحول منصب الوزارة إلى صاحب النفوذ المطلق والسلطة الفعلية بينما  أصبحت سلطة الخلفية اسمية فقط، فبدأ الصراع بين رجالات الدولة للسيطرة على كرسي الوزارة.

وصلت الحملة الصليبية التي توجت مساعيها بفرض حصار على مدينة القدس على مدار خمسة أسابيع /7 حزيران – 15 تموز/ 1099 م – وانتهى الحصار بتسليم المدينة بعد فقدان أي أمل بكسر الحصار – 15 تموز 1099- . قبلها كانت تتبع للخلافة الفاطمية في مصر.

الحملة الصليبية وقبل سيطرتها على القدس كانت قد استولت أيضاً على: انطاكية – الرها – نيقيه – معرة النعمان والعديد من المدن الأخرى – وبعد سيطرتهم على مدينة القدس بدأ الصليبيون يمدون نفوذهم في المناطق التي تصل أو تفصل بين المدن المتناثرة التي حصلوا عليها وفرضوا سيطرتهم تباعا على مدينة تلو الأخرى، ففي عام 1101 م استولوا على سروج – حيفا – أرسوف – قيسارية.

وفي 1104 م استولوا على عكا وفي 1109 م استولوا على طرابلس بعد حصار دام سبع سنوات وأصبحت إمارتهم الثالثة إلى جانب إمارتي  انطاكية والرها فضلاً، عن مملكتهم في الشرق: مملكة بيت المقدس.

طوال تلك الفترة أو بعدها لم تتوقف مقاومة السلاجقة في الشمال والذين تمكنوا من تحقيق انتصارات جزيئة بأسر بعض القادة هنا أو هناك، كما أن الفاطميين في الجنوب – استغلوا قاعدة “عسقلان” لشن هجماتهم ضد الصليبيين أيضاً في الأعوام 1101 – 1102- 1105 م، الأمر الذي كلفهم خسائر فادحة في الرجال والأموال .

طبعا – من الملاحظ هنا –  غياب أي تنسيق بين الجبهتين المقاومتين للصليبيين اللتان لو توحدتا لكان النتائج أفضل بكثير. لكن الصراع على أحقية الخلافة بين العباسيين والفاطميين – حال دون ذلك التوحد وبذلك لم تستطع أي من الجبهتين إحراز أي نصر حقيقي باسترداد الأراضي التي احتلها الصليبيين.

كل ما ذكر سابقاً كان شرحاً مبسطاً لحالة المشرق العربي في تلك الفترة وما عاناه من صراعات وحروب داخلية عبثية مهدت الطريق لحرب خارجية احتلت مدنه مدينة تلو الأخرى.

وهنا أيضاً – تجدر الملاحظة – أن تلك الحالة التي عانى منها المشرق أفرزت حقائق تستحق الوقوف عندها:

الحقيقة الأولى: تقول بأن نموذج الخلافة قد انتهى عملياً مع بقاء منصب الخلفية كرمز ديني في كلتا الخلافتين العباسية والفاطمية.

أما الحقيقة الثانية: فقد أدركتها الشعوب العربية بأن الصليبيين قد جاءوا ليبقوا، فبدأ يتشكل رأي عام قوي وضاغط يتساءل عن سبب تخاذل الحكام وأنانيتهم سرعان ما تحول هذا الرأي العام إلى حركة يقودها أصحاب الرأي والمفكرين.

في ظل هذه الحقائق وبسبب الحاجة إلى قائد قوي يوحد الموقف المشتت ضد الصليبيين ظهر – عماد الدين زنكي – الذي ما لبث أن أصبح أقوى حاكم في زمانه و بدأ يطوع إمكاناته العسكرية وقوته في خدمة المطلب العام.

عماد الدين – كان استجابة تاريخية للواقع الجديد – عن طريقه برزت أتابكية الموصل باعتبارها سابقة ومقدمة للدول العسكرية التي يقودها ملك مقاتل لتولي الحرب ضد الصليبيين بعد فشل الخلافتين العباسية والفاطمية في ذلك – عماد الدين بدأ يقضي ويضم كل البلاد التي اعتبرها تهديدا لمشروعه، وفي شمال بلاد الشام استطاع ضم حلب  وقلعتها عام 1128 م وبهذا يقطع الطريق بين الرّها وغيرها من المستعمرات الصليبية وتوالت ضرباته ليسيطر على حماه – حمص، أما ضربته الأهم كانت عام 1144 م حيث استطاعت قواته من السيطرة على الرها بعد حصارها لمدة 28 يوماً وصاحب سقوطها صدمة نفسية مؤلمة لدى الصليبيين حيث كانت أول إمارة لهم سيطروا عليها وأول إمارة يخسروها.

بعد موت – عماد الدين –  انقسمت  مملكته بين ولديه غازي الذي ضمت إمارته الموصل والجزيرة  – نور الدين الذي كانت من نصيبه حلب.

بعد وفاة غازي – 1149م – وتنازل الأخ الاًصغر – قطب الدين – عن أملاكه في الشام لقاء وراثة أملاك 

أخيه غازي بالجزيرة، أصبح نور الدين أكبر الأتابكة الزنكيين الذي بدأ يفكر جدياً بضم دمشق خاصة أن حاكمها – معين الدين – بعد عقده اتفاقية مع الصليبيين  اعتبره نور الدين عقبة في طريقه – وفي كل مرة كان يظهر بقواته أمام دمشق كان الصليبيون يسرعون لنجدتها إلى أن نجح بدخولها عام 1154 م – ونقل إليها مركز حكمه وعين – نجم الدين أيوب – حاكماً عليها و – أسد الدين شيركوه – نائباً عنه و – صلاح الدين الأيوبي رئيساً لحاميتها.

بعدها اتجهت انظاره نحو مصر – أرض الخلافة الفاطمية – والتي كانت تعاني من الحروب الداخلية نتيجة التنافس بين الوزراء وسنحت له الفرصة بالتدخل الفعلي عندما اندلع الخلاف بين الوزير شاور وحاجبه ضرغام على كرسي الوزارة، استطاع خلاله ضرغام من خلع شاور الذي التجأ إلى بلاط – نور الدين زنكي- ليطلب منه حملة عسكرية يستعيد بها كرسي الوزارة الضائع في القاهرة – في المقابل عرض أن يتكفل بنفقات الحملة والتنازل عن بعض المناطق الحدودية المصرية لنور الدين وأن يعترف له بالسلطة على مصر وأخيراً أن يقوم بإرسال ثلث الموارد المصرية سنوياً له.

استجاب – نور الدين – لطلب شاور وأرسل  حملة يقودها – أسد الدين شيركوه- وابن اخيه – صلاح الدين الأيوبي – الذي كان عمرها حينها سبعة وعشرين عاماً – أما ضرغام استنجد بالصليبيين لمواجهة حملة – نور الدين – وخلال السنوات الست اللاحقة قام الصليبيين بغزو مصر خمس مرات أرسل خلالها نور الدين ثلاثة حملات وبهذا يكون قد انتقل النزاع بين نور الدين والصليبيين من 

شمال بلاد الشام إلى شرق دلتا النيل وعلى طول المسافة بين الفرما والقاهرة.

عاد شاور إلى الوزارة – إلا أن أسد الدين كان لا يزال مهتماً بأن يبقى بأرض بمصر حيث كان يتخذ من منطقة – دمياط – قاعدة له ويرى في شاور عقبة في وجهه فانتظر الفرصة للقضاء عليه ويعلق ابن شداد – في كتابه النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية على تلك الحادثة بقوله:

“فلما شعر أسد الدين شيركوه ومن معه، أن شاور يلعب بهم تارة و بالافرنج تارة أخرى وعلموا أن لا سبيل للاستيلاء على مصر مع بقاء شاور، فأجمعوا أمرهم على قبضه إذا خرج إليهم، وكان شاور يركب على قاعدة وزرائهم بالطبل والبوق والعلم، فلم يتجاسر على قبضه من الجماعة إلا السلطان بنفسه – أي صلاح الدين”.

من النص السابق نرى أن حملات نور الدين زنكي نحو مصر بقيادة أسد الدين شيركوه لم يكن هدفها مساعدة شاور وإعادته إلى كرسي الوزارة، بل كانت وسيلة للتدخل في شؤون مصر ومن ثم السيطرة عليها عندما تحين الفرصة المناسبة لذلك.

ثم يكمل ابن شداد:

“وفي الحال جاء التوقيع من المصريين على يد خادم خاص: لابد من رأسه – أي شاور – جرياً على عادتهم في وزرائهم في تقرير قاعدة من قَوى منهم على صاحبه فجزت رقبته وأنقذ رأسه إليهم “.

وبهذا قُتل شاور – وتولى أسد الدين شيركوه الوزارة في مصر أثناء خلافة العاضد – وبقي وزيراً إلى عام 1169م – ليخلفه ابن أخيه “صلاح الدين الأيوبي” في كرسي الوزارة.

كاتب و مخرج سينمائي  |  خاص موقع قلم رصاص

عن قلم رصاص

قلم رصاص

شاهد أيضاً

متعبون من فرط النوم.. راقصٌ على إيقاع الغياب.. ضياع أنت يا صوت القصب

وحدكَ تدْقُّ الأرضَ عصاك مغشيّاً على وضحِ المدى   لا رفيقٌ يردِّدُ معك شعارَ الجلسةِ …