آخر المقالات
الرئيسية » ممحاة » الأكاديمي الأنيق..!

الأكاديمي الأنيق..!

لدينا أكاديميون مبدعون.. نعم مبدعون ليس في نطاق المعرفة، ولكن في القدرة على التكيّف.. إنهم يسايرون الحياة وتقلباتها… فهم طيبون، مسالمون، يمارسون حياتهم بهدوء.. هم لا يعلنون معاداتهم أو ولائهم العلني للحكومات أو الدول، لكنهم من الجانب الآخر يقدمون لها أو على استعداد لتقديم الخدمات لها. فهم مثلا يصدرون مجلات باسم جامعة ما لكي يُظهروا حياديتهم، رغم أنهم يستلمون مقابلها نقوداً في الخفاء من حكومتهم، يقومون بالاتصال بباحثين أجانب ويدعونهم إلى بلدانهم تحت دعاوى الحيادية العلمية، وأحيانا يكتبون بحوثا أو مقالات يقدمون فيها نصائح للأنظمة، تتحدث عن التصالح والسلام وأمن الشعب والعدوان الخارجي وما شابه من كليشيهات معروفة، ويطالبون طبقاً لذلك الجماهير بالانصياع للحكمة، أي ضرورة الابتعاد عن كل ما يعكر مزاج الحكام… وهم أذكياء بعدم الانخراط بمشاكل العامة والجمهور… ناهيك عن المساهمة بمشاكل الفقراء وانتفاضاتهم، لأن هذه المساهمة من وجهة نظرهم شعبوية ولا تليق بهم.! ،

هم من وجهة نظر الأكاديمي الأنيق، غير أيديولوجيين.. إنهم حياديون. ولأنهم يمقتون الأيديولوجيا لذلك فمن المسموح لهم الوقوف مع حكام أنظمتهم، والبقاء صامتين في الظل رغم كل ما يجري من خراب ودمار في بلدانهم… الأكاديمي الأنيق، أنيق في النفاق السياسي والاجتماعي والأخلاقي، وهو في الحقيقة لا يختلف عن كل الانتهازيين الذين ينتظرون الفرصة لكي يحققوا مصالحهم؛ قطعة أرض صغيرة، سفرة إلى أحد البلدان، مشاركة في مؤتمر دولي، تفرغ علمي..وغيرها وغيرها.. لكن إياك أن تطلب منه أن يطرح رأيه المعرفي والنقدي، الذي يتطلبه موقعه المعرفي والعملي منه نحو ما يجري من خراب وفساد..

وحين تطالبه بذلك يسارع للرد: إن مجال مساهمتي في الحياة له اتجاه خاص.. نطاق عملي هو المعرفة ولا غير.. وحين تلح عليه: لكن المعرفة في بلاد تخلو من المعرفة وتحاربها تتطلب منك أن تدافع عنها، لأن هذا الدفاع هو دفاع عن حريتك…! ولأنه أكاديمي أنيق وله خبرة في التملص من الإجابة الصريحة فإنه يجيب: أنا أقف على الحياد، لا علاقة لي بالسياسة، أنا أكره كل أيديولوجيا…!

هلوللويا….هلوللويا..هلوللويا.. مدددددددد.. وهل يوجد حياد حين يموت الناس من الجوع، ويقتلون في وضح النهار، ويلقون في السجون، أو تترمل النساء، هل ثمة حياد حين تنهار البلاد وتتمزق بينما أنت، أيها الأكاديمي الأنيق، تعيش بحبوحة الحياة مهللاً في الخفاء وإن بصمت للأنظمة الفاسدة؟ آه… أيها الأكاديمي الأنيق كم أنت منافق وغبي!!!

مجلة قلم رصاص الثقافية

عن قحطان جاسم

قحطان جاسم
شاعر ومترجم عراقي وباحث في علم الاجتماع السياسي، نشرفي الصحف العربية والعراقية والدانماركية ومنذ عام 1977 العديد من القصائد والمقالات والدراسات في شتى المواضيع السياسية والاجتماعية والادبية.

شاهد أيضاً

مصلوبٌ على باب الرقة

(1) في بلدتي يأتيكَ بالأخبار بائعُ الأحلامِ  والمناجلِ وسكَّاراتُ البليخ والحطّابات وتُشنقُ الطفولةُ دون أنْ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *